رغم الأحداث المؤسفة التي نواجهها كل يوم، رغم غياب الأمن ودمار الاقتصاد والسياحة، ورغم التباطؤ في القصاص ومحاكمة المفسدين، ورغم ورغم (وكل ذلك بسبب المجلس العسكري)، إلا إنني سعيد، ومتفاؤل.
سعيد بقيام ثورة كان لابد منها للقضاء على النظام، فقد نجحت حتى الآن في القضاء على رأس النظام وإزالة حاجز الخوف وعمل إنتخابات نزيهة لأول مرة منذ قرن، ومتفاؤل لأنك أحلك لحظات الليل يتبعها فجر بازغ.
فالثورة كان لابد منها لوقف نزيف الفساد، كانت عملية حتمية ضد حليف إسرائيل الأول في المنطقة، نظام باع أرواح المصريين بثمن بخس زهيد، نظام مزور لإرادة الشعب، أفقر العباد، خنق الحريات، عادى الأديان، سجن الأحرار، قتل الثوار، تخلف بالبلاد، زرع الفتن، نكس الرؤوس، وباع الغاز، وسرق الأموال، ولو كتبت حتى قيام ساعتي ما وصفت إلا جزء ضئيل من مرض متأصل في مصر.
فالنظام البائد، خلف ورائه 30 مليون حالة سرطان، 6 مليون مريض مزمن، 8 مليون فتاة عانس، 42 مليون مواطن تحت خط الفقر، وتريليون و300 مليار جنية ديون، والجدير بالذكر أن ديون مصر في عام 80 كانت 21 مليار دولار!
ولا ننسى تغذية مبارك لشرايين الكيان الصهيوني بالغاز المصري، بثمن بخس جنيهات معدودة، تاركاً الفقراء والمساكين يُدهسون في الطوابير لأن كرامتهم الإنسانية صارت أحط وأخس من كرامة المواطن الصهيوني.
وحسب شهادة الجنزوري، فقد كان هناك حساب في البنك مخصص لصالح الأجيال التي سأتي بعد المخلوع، كان به 85 مليار دولار عام 2008، حتى اكتشف أحدهم الأموال وسرقها!
بالنسبة للداخلية، فقد عانينا طويلاً طويلاً من هذا المسخ، أجل كان هناك أمن، لكنه أمن شكلي، مزيف، فقد عانى المصري من تكبر الشرطي الذي يعتدي عليه لمجرد رفضه لدفع الرشوة، والألاف بل عشرات الألاف قد عانوا من قانون الطوارئ منذ عام 67 حتى 20 سبتمبر (الذي سقط بقوة الإعلان الدستوري)، حتى أن سائقاً للميكروباص يحكي أن كل صباح كان يركب معه شرطي بالمجان ويجبره على أن يشتري له سجائر، وحين قال السائق مرة "لا"، كان جزاؤه قسم الشرطة وبئس المصير.
أين الأمن من كنيسة القديسين، التي ثبت تورط أيدي العادلي فيها ؟ أين الأمن في القصاص لمن قتلوا أمثال خالد سعيد وسيد بلال –رحمهما الله- ؟ أين الأمن وأنت لا تستطيع أن تدلي بصوتك في الإنتخابات بسبب وجود البلطجية على اللجان؟
أجل كان هناك أمن، لكنه كان أمناً مدنساً بالذل تفوح منه روائح عفنة كالواسطة والرشوة والظلم والتكبر.
واليوم، الأمن لا يريد العودة إلا بنفس شروط العهد البائد، ولكن لا، لا وألف لا!
نعم، الشرطي لابد أن تكون له هيبة في النفوس، ولكن تلك الهيبة ليست بإذلال المصري، ولكن بإحترام المواطن والقانون ونفسه.
أما بالنسبة للسياحة، فأحب أن أقدم لكم بعض الأرقام:
مصر تحتل المرتبة 58 عالمياً من بين 124 دولة في مؤشة تنافسية السياحة، بينما تحتل إسبانيا المركز الثاني عالمياً!
مصر تمتلك ثلث الآثار في العالم، بينما إسبانيا تمتلك أقل من 1% من آثار العالم.
في 2011 زار إسبانيا أكثر من 53 مليون سائح، بينما من زاروا مصر من السياح 2010 ما يقرب من 14 مليون سائح.
إسبانيا دخل لها في 2010 62.1 مليار يورو (91.8 مليار دولار)، وفي عام 2010 دخل لمصر 15 مليار دولار.
ولولا الثورة يا سادة، ما كنت لترى النائب الذي تريده أنت تحت تلك القبة، بل لم تكن لتحلم بأن تراه لولا الثورة، لم يكن ليقوم صوتك بعمل أي تغيير لولا الثورة، لم تكن لتنتخب بأمان لولا الثورة.
ولولا الثورة، لكان جمال لا-مبارك صار رئيساً لمصر.
قد تقول أن الثورة لم تغير شيئاً، وأن الأوضاع قد ساءت، صحيح، ولكن هذا ليس بسبب الثورة، إنما بسب حاكم لا يعبر عن الثورة وأهدافها وعن الشعب، بسبب حاكم يُعتبر قطب أساسي من أقطاب الثورة المضادة، كما أن الثورة لم تصل للمؤسسات حتى يُحكم عليها بالنجاح أو الفشل، فلا نستطيع أن نحكم إذا كانت الثورة نجحت أم فشلت.
كما أن كل المشاكل التي نواجهها ليست بسبب الثورة وثوارها، إنما بسبب المجلس العسكري، فهو من بيده السلطتان التنفيذية والقضائية، وكانت بيده التشريعية، رغم ذلك لم يقدم أي حلولاً لمشاكلنا.
وحتى تنجح الثورة، لابد من تسليم السلطة لرئيس مدني منتخب إنتخاباً نزيهاً، إذن فلابد من الانتهاء من الفترة الإنتقالية بسرعة والتعجيل بإنتخابات الرئاسة، فالسياسة ليست للجيش.
والثورة مستمرة.
___________
5/2/2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق