قوم كانت أقصى أمال الواحد منهم أن يمتلك غنم وجمال، بل وكانوا يفتخرون بجهلهم ويعتبرون العلم عيباًّ!
ثم يتنزل الوحي التي تنزل على أولئك القوم تتضمن كلمات غريبة على ثقافتهم، "اقرأ"، "علم" و"قلم"، بل وإن تدبرت الآية الأولى ستجد أن كلمة "اقرأ" جاءت بلا مفعول به، بلا شيء محدد للقراءة، والآية الثانية تتحدث عن أصل الإنسان، قضية ما كان يبالي بها أحد من العرب، حتى يتدبروا أصلهم.
تصور، حين ينظر الله، العظيم الجبار القهار المتكبر، إلى تلك الخليقة التافهة، بني الإنسان، التي تُعد أصغر من الذرة في ذلك الكون الفسيح، ليكرمنا نحن البشر، بكلمات تُتلى إلى يوم القيامة، يبدأ تلك الكلمات بأمر من أعظم أوامره، "اقرأ"، حقاً، إنه هو الرحمن الرحيم.
إذن، بناءً على ذلك، فالتعلم ليس ترفاً ورفاهية، إنه أمر من ذي الجلال والإكرام.
تخيل إذن خطورة تلك القضية، قضية حين وجدت من يتمسك ويجاهد تحت رايتها غيرت مجرى التاريخ وحولته تحويلاً.
شيء غريب، تحدث صديقك وتسأله "ما هواياتك؟"، فيرد ويقول "والله هواياتي هي السباحة والرسم والقراءة.."، لحظة واحدة، من كذب عليك وقال أن القراءة هواية؟ هذه كذبة كبرى الله أعلم كيف غزت العقول، إنما القراءة نشاط أساسي، إنما هي غذاء العقل الأساسي.
يقول "جراهام جرين" :"أحياناً أفكر أن حياة الفرد تشكلت بواسطة الكتب أكثر مما ساهم البشر أنفسهم في تشكيل هذه الحياة".
وهناك العديد من الأمثلة من اهتمام السلف بالقراءة، ويكفي كمثال أن أذكر لكم أن مكتبة العزيز الفاطمي كانت تحتوي على مليون و600 ألف كتاب!
أما أهمية الكتاب، فهو كما يقول الأمير أحمد شوقي:
صاحِبٌ إِنْ عِبتَهُ أَو لَم تَعِبْ"
"لَيسَ بِالواجِدِ لِلصاحِبِ عابا
كُلَّما أَخلَقتُهُ جَدَّدَني"
"وَكَساني مِن حِلى الفَضلِ ثِيابا
صُحبَةٌ لَم أَشكُ مِنها ريبَةً"
"وَوِدادٌ لَم يُكَلِّفني عِتابا
إِن يَجِدني يَتَحَدَّث أَو يَجِد"
"مَلَلاً يَطوي الأَحاديثَ اقتِضابا
فهو الصديق الذي لا يمل منك أو تمل منك، دائماً بانتظارك لخدمتك ويدعوك دائماً لمدارسة العلوم المختلفة، دائم العطاء لا يبخل عليك أبداً بالجديد من المعلومات.
وبكل أسف، نحرم أنفسنا من هذا الخير، لأسباب كثيرة ساذجة، مثل عدم تنظيم الوقت (وليس عدم وجوده)، عدم اعتياد شغل الفراغ بالقراءة، عدم الاهتمام به والاهتمام بالأمور الساذجة ككرة القدم وأخبار الفنانين.
كما أنه هناك عقبة نفسية خطيرة تحول بين الشاب والكتاب، عقبة "أصلي مبحبش القراءة"!
وهذا يعود لعدة أسباب، أولها المدرسة، فنحن في المدرسة مجبرون على تعلم علوم ربما يكون منها ما نكرهه، فأنا مثلاً لا أحب الكيمياء، وغيري لا يحب الجغرافيا، وهذا قد يكون سبباً وجيهاً، ولكن ليس سبباً لهجر القراءة!
أما السبب الثاني فهو نظرة المجتمع، فنحن نرى الغني والفنان والمشهور –وإن كان أجهل من الدابة- هو المتميز والمسيطر، أما المثقف، فهو ممقوت مجهول من المجتمع، ليس له وزن، حتى وإن بلغت ثقافته عنان السماء، وهذا المفهوم سببه الأساسي هو وسائل الإعلام المختلفة من أفلام ومسلسلات وأغاني، التي جعلت من الغني الجاهل سيد والمثقف الفقير عبد!
يا أخي، لماذا لا تحب القراءة؟، وهل من شيء تستعمله في حياتك كانت بدون قراءة وتعلم؟
لو نظرت حولك ستجد الكثير ممن تحبهم وتستفيد منهم ديدان كتب، فما بلغوا ما بلغوا إلا حين صاحبوا الكتاب وأحبوه.
تتمنى أن تصير شخصية كبيرة، سياسي أو مهندس أو شاعر أو كاتب أو طبيب..، لو كنت متخذاً قدوة في إحدى المجالات انظر إليها وتعلم منها، وأتحداك لو كانت قدوتك لم تكن دودة للكتب!
إنها دعوة صادقة من أخ يريد مصلحتك، ابدأ الآن، اقرأ فيما تحب وفقط فيما تحب، ما ينفعك وليس قراءة في مجلات أخبار النجوم والمشاهير، خصص كل يوم نصف ساعة على الأقل للقراءة، انزل المكتبة وابحث عن عنوان مثير لكتاب جميل لكاتب تحبه، لا تجعل كل قراءاتك في الجانب الأدبي والفكاهي والدراسي، بل توسع في شتى مجالات علوم الدين والحياة.
فبداية السيل قطرة، وأصل المدينة حجر، وأصل الإنسان نطفة.
وتذكر أنك ستُسئل يوماً عن شبابك وعمرك فيما أفنيتهما.
ابدأ، اقرأ.
__________
29/1/2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق