على كل خطوتين تخطوهما، ستجدني أمامك، طالباً من سيادتكم المعونة والمساعدة، فيكون أمامك 3 اختيارات، أن تقول لي "ربنا يسهلك"، أو تعطيني صدقتي، أو ترمقني بنظرة احتقار وغضب، نظراً لأنني قطعت النكتة التي كنت تقولها لصديقتك، أو لأنك تراني على أنني من جنس غير جنس بني آدم ولا أستحق الحديث مع أمثالكم، فشكلي لا يسمو لمستواك يا سيدي.
فشعري الأشعث ليس كشعرك المدهون بـ"الجيل"، وعيناي التي تلمع أملاً في الصدقة، ليست كعيناك التا تفيضان حقداً واحتقاراً، أنفي ملوث بالمخاط لأنني لا أجد ثمن المنديل، أما شفتاي فيعلوهما التشقق، وأسناني بعضها أصفر، وبعضها أسود، وبعضها غير موجود أساساً، جسدي نحيل من رأسي إلى أخمص قدمي، أما عن ثيابي، فحدث ولا حرج، فثيابي اسوأ من فرو الكلاب، فهم يتدفئون بفروهم، أما أنا، فما تزيدني ثيابي إلا برداً ومرضاً، مقطعة مهلهلة، يكسوها الوسخ والقذارة، أرى على وجهك القرف من رائحتي، معذرةً، فأنا أنام بجانب الكلاب في أحواض القمامة.
أراك تنظر باستغراب إلى ذراعيّ ويدايّ كثيرتا الجروح، تتقرف أن تصافحني أو حتى تمسني، يا سيدي، هذه الجروح هي من جراء الزجاج والمعلبات وحمل الأثقال، سعياً لراتب زهيد، فأسرتي, كما تقول, "على قدها"، أبي قد مات جراء مرض مستعص، أمي، رغم مرضها الشديد، تبيع الليمون على نواصي الشوارع، أما أخوتي، فحالهم يكاد يكون مطابقاً لحالي، فهذا بائع، وهذا نشال، وهذا نصاب، وهذا سارق، وهذا متسول، وهذا بلطجي، وهذا "تباع"، وهذا بائع مخدرات، مقبوض عليه حالياً..
آه صحيح، ولي أخ أخر، لكنه مات، مات بسبب البرودة القارسة التي أهلكت جسده الصغير.
بيتي كان عبارة عن "عشة فراخ" فوق السطوح، ولكن طُردت أنا وأسرتي، ظلماً وعدواناً، لأننا لم ندفع الإيجار، من أين لنا بالإيجار ونحن نجد ثمن "شق" الفول "بالعافية"!
فانتقلنا إلى مكان أخر، لا يكلف ثمناً، لكنه أقذر من عشة الفراخ، ما من مكان غيره، انتقلت للعيش في المقابر، ولكن الحمد لله..
أود أن أحكي لك قصة صغيرة، ولكن كبيرة في معناها، لكي تدرك كم أنا مهمَل، ففي أحد المرات، بعد يوم طويل من لم القمامة، قعدت على الرصيف لأخذ أنفاسي، كنت أمام مقهى من المقاهي، وجدت التلفاز مفتوحاً، حسب ما سمعته، كان اسم البرنامج المذاع "هموم الناس".
استضافوا رجلاً أنيقاً، مرتدياً بدلة فاخرة، ووسيم المنظر، لا تفهمني خطأ، ما شاء الله ما شاء الله.
ظننت أنه سيتحدث عن أمثالي، ظننت أنه تنزل من مكانته ومركزه لينظر لأمثالي، فإذا بالصاعقة تنزل على رأسي، حين سمعته يتحدث عن الشواطئ والسياحة والإسلاميين والحريات وغيرها من الموضوعات البعيدة كل البعد عن واقعي الأليم.
(يضحك استهزاءاً) برنامج اسمه "هموم الناس" ويتحدث عن أشياء لا تُرى إلا في إعلانات الشوارع، أنا ساكن القبور يحدثني عن ماذا سيفعل الإسلاميون في الشواطئ وحق السائحات في ارتداء لباس لم أره ولا أعرفه، يُسمي بالبكيني.
(يتنهد) تسأل عن اسمي؟ أرح نفسك، فلو قلت لك اسمي، فلن تستطيع حفظه، لأن لي الكثير من الأسماء، لي اسم على رصيف جامعة الدول، ولي اسم في التحرير، واسم على الكورنيش، واسم في المقابر، وأسماء عديدة أمام الجوامع، فاسمائي كثيرة كهمومي.
يكفي يا سيدي أن تعرف أنني أنا المجهول المهمَل في بلادي.
......
ولهذا، قامت ثورة شعارها "عيش، حرية، عدالة اجتماعية"، فمتي الفجر لهؤلاء؟
_____________
31/1/2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق