الخميس، 23 فبراير 2012

أدب الحوار


نظراً للمهازل التي رأيتها في جلسات "الشعب"، جاءتني تلك الخاطرة بضرورة الكتابة عن هذا الأدب المفتقد لدى كثير منا، ألا وهو أدب الحوار.
فبكل أسف، صار كل من أعتنق فكرة من الأفكار يظن أنه هو الحق وما سواه باطل، فتجد أحدهم يتفوه بكلمات يعتقد فيها الدواء الناجع والحق المبين، وأن أي كلام يخالف كلامه إنما هو من وحي الشياطين.
فلا تستطيع أن تتفوه ببضعة كلمات إلا ووجدت أمثاله يقاطعونك كل حين، لا يدعون لك الفرصة للتحدث، يعلون من أصواتهم، يتهمونك بالسفسطة وقصر التفكير، وربما العمالة، وقد يتطور الأمر إلى السب.
ونظراً لهذه المهزلة الحوارية، شمرت عن ساعدي بقلمي بارزاً لأسطر بضعة سطور في هذا الإطار، عسى أن تُقرئ وتُنتفع بها.
قبل البدء لابد أن نعرف أن اختلاف الناس هو شيء مفروغ منه، فكما يقول الله –عز وجل- "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ..."، فلو شاء الله لجعل لنا نوعاً واحداً من الفكر، ولكنها حكمة الله، فمن الاختلاف إثراء للنقاشات والحوارات والابتكارات والثقافات، كما أنه يفيد التمييز بين الخيّر والشرير.
أما أسباب الاختلاف فهي لأسباب عدة، منها عدم فهم الموضوع من كل جوانبه، فكل شخص يرى الموضوع حسب وجهة نظره والمعلومات المتوفرة لديه، كمثال الفيل والعميان، فحين أمسك كل أعمى من العميان بجزء من الفيل كل منهم صار لديه تصور أخر تماماً عن تصور الأخر، فهذا يراه نحيفاً، والثاني يراه مستديراً، والثاني يراه طويلاً، وهذا الاختلاف هو أيسر أنواع الاختلافات، لأنه يزول بعد النقاش ومعرفة الموضوع من كل جوانبه.
ومن الأسباب الأخرى، سبب التقليد لمجرد التقليد، "بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ"، وهذا كان منتشراً أيام الرسول –صلى الله عليه وسلم-، فكثير منهم علم الحق وتيقن أنه نبي حقيقي، ولكن التعصب والقبلية عمتا أبصارهم.
وهناك أيضاً التعصب للرأي، والحسد للغير على ما آتاه الله من فضله، والحرص على المنافع الخاصة، والانقياد للهوى، واختلاف الثقافات والعقول والأفهام وغيرها من الأسباب.
إذن، فالاختلاف موجود موجود، إذن كيف ندير حواراً متحضراً مثمراً في ظل هذا الاختلاف؟
وللإجابة كتبت هذه المقالة، ولقد عددت لكم أسس الحوار، لتكون 11 أسس، منها يتم الحوار:
1- ـأن تكون علم علمٍ فيما تتناقش فيه: فلا يصح أن تتناقش في موضوع لست تدري عنه إلا القليل، وإلا فتخرج من الحوار خائباً مهزوماً، وليس عيباً أن تعترف بجهلك في مسألة من المسائل.
2- التزام الصدق: فلابد من الاعتماد على الأدلة الدامغة والحقيقية وليس معتمداً على الأكاذيب.
3- إقامة الحجة بمنطق سليم: فلا يصح أن تثبت موقفك إلا بدليل قوي، لا دليل واه.
4- أن يكون الهدف الوصول إلى الحقيقة: أو كما يقول سقراط "أن نتبع البرهان إلى حيث يقودنا"، فلا يصح بعد أن أٌقيمت عليك الحجة أن تستمر في العناد والتكبر على الإعتراف بالخطأ.
5- التواضع والتزام أدب الحديث: فلابد من التواضع وتجنب الغرور والتزام الأسلوب المهذب الخالي من كل ما لا يليق، مهما كان مستوى من تحاوره، وعدم قطع الكلام على من تحاور، بل تنتظر حتى ينتهي من كلامه ثم تتحدث أنت.
6- إعطاء المحاور حقه في التعبير: ولنا في الحوار الذي دار بين الله –عز وجل- وإبليس –لعنه الله- عبرة، فرغم عصيان إبليس وتكبره، إلا أن الله –سبحانه وتعالى- كان يدع له المجال للرد والكلام وقول ما يريد، واقرأوا هذا الحوار في سورة الحجر من آية 28 إلى الآية 42.
7- احترام الرأي الصائب: فمن أصاب يُحترم ويُتبع رأيه، بدون أدنى نوع من العصبية لرأيك الشخصي.
8- تحديد مسألة الحوار: لابد أن يكون الموضوع محدداً مدققاً، وأن تبتعد كل البعد عن التعميم.
9- أن يقوم الحوار على الحقائق الثابتة: فلا يصح بأي حال من الأحوال أن يقول الحوار على إشاعة قد سُمعت مثلاً، فهذا سيكون مضيعة للوقت، بل على حقيقة ثابتة وواقعة بالفعل.
10- ألا يدفعك الاختلاف إلى العداء: فكثير منا يخرج من النقاش وصدره ضيق ممن كان يحاوره، وقد أعجبني فاضل سليمان حين كان يقول أنه يتمنى ممن يتناظرون معاً في نهاية المطاف أن يخرجوا ليأكلوا وجبة معاً.
11- أن يكون نقدك للفكرة وليس لحامل الفكرة: فحامل الفكرة ليس بعدوك، وأنت لا تنتقده هو بل تنتقد الفكرة، فمناقشتك تكون لفكرته لا لشخصه.
تلك هي الـ 11 نقطة ، فهلا طبقناها؟
ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ

____________
8/2/2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق