الجمعة، 24 فبراير 2012

هموم أمتي



عجيب، عجيب أمر أمة قال عنها رسولها –صلى الله عليه وسلم-: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمي"، فتجد رد فعل تلك الأمة تجاه القدس المهودة والسوري المذبوح والصومالي الفقير والأفغانستاني المحتل والباكستاني المضطهد بجملة "وأنا مالي؟!".
عجيب، عجيب أمة أمر شُهد لها من فوق سبع سماوات بأنها خير أمة في قوله تعالة "كنتم خير أمة أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر"، فتجدهم لا يأمرون بمعروف، ولا ينهون عن منكر سواء بأيديهم أو بألسنتهم أو حتى قلوبهم، فكانت النتيجة هي الذل والخنوع.
عجيب، عجيب أمر أمة أقامت أعظم حضارة في العالم ونورته بأنوار العلم والعدل والحق والمحبة، حضارة شهد بعظمتها الغربيون قبل المسلمين مثل المؤرخ الأمريكي بريفولت حين قال:"ليس ثمة مظهر واحد من مظاهر الحضارة الاوروبية الا ويعود فيه الفضل للمسلمين بصورة قاطعة" ومثل الطبيب البريطاني روبرت بريفولت حين قال "إن اﻟﻘﻮة اﻟﺘﻲ ﻏﯿﺮت وﺿﻊ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻤﺎدي ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ ﻧﺘﺎج اﻟﺼﻠﺔ اﻟﻮﺛﯿﻘﺔ ﺑﯿﻦ اﻟﻔﻠﻜﯿﯿﻦ واﻟﻜﯿﻤﯿﺎﺋﯿﯿﻦ واﻟﻤﺪارس اﻟﻄﺒﯿﺔ وﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬﻩ اﻟﺼﻠﺔ أﺛﺮًا ﻣﻦ آﺛﺎر اﻟﺒﻼد اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ واﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ، إن ﻣﻌﻈﻢ اﻟﻨﺸﺎط اﻷورﺑﻲ ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻟﻌﻠﻮم اﻟﻄﺒﯿﻌﯿﺔ إﻟﻰ اﻟﻘﺮن اﻟﺨﺎﻣﺲ ﻋﺸﺮ اﻟﻤﯿﻼدي ﻛﺎن ﻣﺴﺘﻔﺎدًا ﻣﻦ ﻋﻠﻮم اﻟﻌﺮب وﻣﻌﺎرﻓﻬﻢ، وإﻧﻲ ﻗﺪ ﻓﺼَّﻠﺖ اﻟﻜﻼم ﻓﻲ اﻟﺪور اﻟﺬي ﻟﻌﺒﺘﻪ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﯿﻘﻈﺔ اﻷورﺑﯿﺔ؛ ﻷن اﻟﻜﺬب واﻻﻓﺘﺮاء ﻛﺎﻧﺎ ﻗﺪ ﻛﺜﺮا ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺤﺎﺿﺮ، وﻛﺎن اﻟﺘﻔﺼﯿﻞ ﻻ ﺑُﺪَّ ﻣﻨﻪ ﻟﻠﻘﻀﺎء ﻋﻠﯿﻬﻤﺎتجدها تشحذ على أعتاب الدول، طالبة المعونة والرضا، مستسلمين لجور الحكام وإهانتهم، حتى وجدنا سلة قمح العالم، تضطر لإستيراد قمح روسي مسرطن.
عجيب، عجيب أمة أمة قال رسولها "لا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى"، فتجد أمتي قد تفرقت لعرقيات ودول وحدود مصطنعة، بل وانقسمت إلى فرق كروية وفنية، مشتعلة بينهم الشحناء والبغضاء، وما موقفنا تجاه القضايا الإسلامية إلا بخير دليل.
عجيب، عجيب حجم أراضينا المحتلة، فلسطين وباكستان وأفغانستان، وحتى دول الإسلام الأخرى، فما لم تكن محتلة حسياً، فهي محتلة فكرياً، كغالبية الدول العربية.
آه يا فلسطين، سبعون عاماً يا أقصى، كم افتقد المؤمنون ريحانك.
"يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها"، قالها الرسول صادقاً، فاستعجب الصحابة الكرام، حتى سأله سائل "ومن قلة نحن يومئد؟"، فرد الرسول قائلاً "لا"!، لا؟، بالطبع لا!، كيف يكون وهننا وضعفنا من قلة ونحن مليار ونصف مسلم!، "بل أنتم يومئد كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل ، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن " ، وما الوهن يا رسول الله ؟، "حب الدنيا وكراهية الموت".
أجل، صدق، فالمحب للدنيا الكاره للموت، تجده معمراً لدنياه مهملاً لأخراه، يسعى ويسعى للذات الدنيا، وإن كانت حراماً، ويهمل ويهمل في قصور الأخرة، والنتيجة الطبيعية لكراهية الموت كراهية الجهاد، وأيضاً كراهية الصدع بكلمة الحق في وجه السلطان الجائر، خوفاً من الأذى والبطش.
عجيب، عجيب أمة أمة تسعى لحل مشاكلها بمناهج غربية وشرقية، تاركين كتاباً عظيماً، موجود في كل مكان، في سياراتهم ومكاتبهم وحوائطهم وبيوتهم، بل ومستهونين به ومستسخفين به، يدعون عليه الباطل وأنه قديم هالك، إنه نبض الحياة، منهج الأمة، كتاب الله وسنته، شريعته الغراء، لا يأتيها الباطل لا من وراءها ولا من خلفها.
عجيب، عجيب أمر أمة تضطهد صالحيها وتدع العنان لطالحيها، محاربين لمظاهر التدين بوصمها عاري التخلف والإرهاب، وتدع طالحيها يسبون في دينه عز وجل، غير مبالين بما يُقال حتى في حق الجلالة!، بينما يكون مصير مصلي الفجر ومطلق شعيرات اللحية اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، القفص، مثواه الأخير.
عجيب، غريب، مؤسف، محزن، لا أجد في حصيلتي اللغوية كلمات تصف حال أمتي، ولو أتيت بابن منظور ليصف حال أمتي ما  قدر، فالوضع مؤسف لا جدال، واللسان يعجز عن الكلام.
ولكن هناك أمل، وهناك حل، ولقد مرت الأمة الإسلامية على مر التاريخ بالعديد من المحن، لم تمت أمة الإسلام يوماً، لكنها مريضة، ولكنها لا تموت، وستعود، ستعود قوية كالأسود وستحكم العالم من جديد.
وكيف السبيل إلى ذلك؟
قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- :"تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا، كتاب الله وسنتي".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق