
تلك الآية العظيمة التي نمر عليها مر الكرام، نظلمها
بعدم تدبرها وإخراج العظات منه، منّ الله علي بأن أستخرج منها 3 خواطر، كل خاطرة هي
أعظم من الأخرى.
1) ألم تستغرب يا أخي كلمة
"ثم" التي تفصل بين "قالوا الله" و"استقاموا"؟ لماذا
لم يقل الله عز وجل "فاستقاموا"؟، طبعاً غني عن التعريف أن حرف "ثم"
هو حرف يفيد التعقيب مع التراخي، يفيد ذلك الحرف في تبيان معنى مهم للغاية.
إن المحرك الأساسي للعمل الصالح هو العقيدة الصحيحة
والإيمان القوي، فمعرفة المرء لربه تنتج بأن يعرف العبد حقوق ربه عليه وحقوق أمته عليه
وواجباته، وذلك الإيمان لا ينشأ في يوم وليلة، فالاستقامة الحقيقية لا تتحقق إلا بإيمان
حقيقي، لذلك قال الله عز وجل "ثم استقاموا"، لأن العبد لن يستقيم إلا حين
يحقق الخطوة الأولى في ذلك الطريق، معرفة الله وحقوقه وواجبات العبد تجاه دينه وأمته،
ويتأتى ذلك عن طريق دراسة العقيدة، وتدبر القرآن دستور الأمة وسنة الحبيب ﷺ، فتكون النتيجة أن يكون ذلك العبد شجاعاً جسوراً لا يخاف في الحق لومة
لائم، لأنه يعمل لله، ولا يهمه إلا رضا الله، ولو كلفه ذلك كل دنياه، فهو يؤمن بأنه
قد باع نفسه في سبيل جنة خالدة، فهل يهم ذلك العبد دنيا فانية؟
2) هناك شرطان أساسيان لدخول
الجنة الرحمن، الإيمان والاستقامة، فبدون الإيمان تُعتبر أعمال العبد كلها سراباً مهما
بلغت من حجمها، ففي الصحيح، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قلت: (يا رسول الله، ابن
جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين، فهل ذلك نافعه؟)، قال: (لا ينفعه،
إنه لم يقل يوماً: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين)، فمن لا يخلص العمل لله، فكأنه لم
يعمل شيئاً.
وإيمان بلا استقامة لن ينفعك إلا بعد التطهر من
الذنوب في جهنم حتى تستطيع دخول الجنة، فهو إيمان ناقص، فلو كان إيماناً حقيقياً يقينياً
لاستنفر نفسه لخدمة دينه ومولاه عز وجل، فربما يكون هذا الشخص دارساً للعقيدة، لكن
التطبيق العملي للعقيدة لم يتمثل في بدنه وأفعاله، ولم تدخل العقيدة قلبه، فلذلك لا
تستعجبوا من شخص حافظ للقرآن كاملاً وللكثير من الأحاديث ودارس للعقيدة وهو يدخن ويسب
ويعق والديه، فعلمه لم يتخطى العقل إلى القلب.
3) "أبشروا بالجنة التي كنتم توعدون"،
"توعدون"، من الذي يعد؟ إنه العظيم عز وجل، ويعد من؟ يعد كائناً لا يضره
ولا ينفعه بل ويعتمد عليه بالكلية؟ ويعده بماذا؟ أيعده بعذاب بئيس إن لم ينفذ
فرائضه وواجباته تجاه ربه؟ إنه يعده بـ"الجنة" !!
يا أخي أنت الآن في
مواجهة آية عظيمة، وكل القرآن عظيم، إن الله عز وجل يحدثك بنفسه ويبعث إليك
بملائكته رسلاً تنبؤك أن الله عز وجل من فوق سبع سماوات قد وعدك أنت بالجنة، الله
الذي لا يحتاج إليك بل وأنت المحتاج إليه في كل طرفة عين يعدك أنت، بل وتخيل أنه
يعد ويجزم في بداية الآية بأداة التوكيد "إن"، وهو الله الصدوق الذي لا
يحتاج إلى أن يعد أو يجزم، بل والله لا يحتاج أصلاً إلينا!!
فأي ميثاق أغلظ من
ذلك؟
وأي يقين أعظم من ذلك؟
وأي تكاسل آدمي أخزى
من ذلك؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق