الخميس، 8 مارس 2012

مصر المحتلة

   
بـــــسم الله الرحمن الرحيــــــــم

أجل، لا يوجد دبابات في الشوراع، أجل، لا نرى الجند الأجانب في البيوت، أجل، لا يوجد علم أجنبي بجانب علمنا المصري، لكننا محتلون، إي والله محتلون.
فالعرب بوجه عام، محتلون من كافة الأوجه، فكرياً وسياسياً واقتصادياً، من كافة الدول، شرقية وغربية.
فالاحتلال ليس بالجيوش فحسب، بل هناك طرق عديدة للاستعمار، منها الغزو الفكري، وقد عبر عن خطورته فيكتور هوجو حين قال "غزو الجيوش يمكن مقاومته، أما غزو الأفكار، فلا".
ومن أثار الغزو الفكري، أننا أصبحنا نتطبع بطباع الأجانب، ونأكل أكلهم، ونلبس ملابسهم، دافنين ثقافتنا في بئر النسيان، محتقرينها رامقيها بأعين الغضب والاحتقار.
لا يُفهم من كلامي أني ضد التعلم من الحضارات الأخرى، بل هذا أمر أساسي من أوامر الإسلام، فمن سلك طريقاً يبتغي فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة، ولكنني ضد أخذ الحضارة الأجنبية رزمة واحدة لا تُصفى بمصفاة الدين، ومن ثَم تطبيق هذا المنهج على شعب لا يقبل كثيراً من تلك الثقافات، وخصوصاً في المجالين الأخلاقي والديني.
ومن أمثلة الدمار الفكري الذي نعانيه مثال انتشار "المصاحبة" والتقليعات الغريبة في الثياب وتسريحات الشعر والاقتداء بمن لا يُقتدى به.
وقد يختلط الحابل بالنابل، ويخلط المرء بين الأزمة الفكرية والأزمة الأخلاقية، وشتان بين الاثنين.
فالأزمة الأخلاقية تكون مثلاً حين ترفض الفتاة الحجاب لأن كل صديقاتها لا يرتدين حجاباً أو رجل لا يصوم لأنه لا يريد الاحتمال أو شخص لا يحتكم لكتاب الله لأنه لا يريد ذلك، أما الأزمة الفكرية فتكون حين ترفض تلك الفتاة الحجاب لأنه عادة جاهلية وحين يرفض ذلك الرجل الصيام لأنه مضر للجسم وغير مفيد وحين يرفض ذلك الشخص الاحتكام لكتاب الله لأنه قديم.
وإلى جانب الاحتلال الفكري، هناك أيضاً الاحتلال الاقتصادي.
فحين ورث أنور السادات الحكم، كان لديه اقتصاد قوي، ولكنه ورث أيضاً أعباء اقتصادية ثقيلة نتيجة مخلفات الحرب، كما أن المناخ العالمي في ذلك الوقت كان معاد تمام للتجربة الناصرية، حتى أن من شروط معونات المؤسسات الدولية التي كانت تخضع لتوجيهات الأمريكيين كانت الصلح مع إسرائيل، والتخلي عن زعامة الدول العربية، وفتح الأبوات بلا ضابط أمام السلع والاستثمارات الأجنبية، كما كانوا يشترطون طرد السوفيت من مصر وانهيار النفوذ السوفيتي فيها.
والسادات لم يكن من النوع الذي يتحدى ويتصدى، فقبل هذه الشروط وقرر أن يساير الواقع الدولي الجديد.
أضف إلى ذلك القروض الخارجية التي أخذتها مصر في فترة لم تكن في حاجة إليها، فقد كانت البنوك الغربية في ذلك الوقت تبحث عن أماكن لاستثمار فوائض إيرادات البترول لديها، فراحت تغري دول العالم الثالث باقتراضها وبفوائد مرتفعة، تكاد تصل إلى 15% في بعض الأحيان، حتى لو كانت غير محتاجة.
وكانت معظم تلك القروض قروضاً عسكرية، وبأسعار مرتفعة، رغم إعلان السادات أن حرب 73 هي أخر الحروب.
فالمعونات الأمريكية العسكرية لمصر لم تقترن بأي تحسن في أوضاع مصر، بل تدهور حالها، فلم تتحرك مصر لنصرة العراق عندما ضُرب مفاعلها النووي عام 81، أو لنصرة لبنان عندما هاجمها الكيان الصهيوني، وليس خفياً على أحد موقفها المخزي من غزة وتهويد القدس.
وظل السادات ووزراؤه يجولون ويطيرون من دولة إلى أخرى من دول الخليج، طالبين منهم المساعدات ولكن بلا جدوى، فالدول العربية لم تكن قد تلقت بعد إيماءة الموافقة من الولايات المتحدة وهيئات المعونة الدولية بزيادة حجم معوناتها لمصر، ولم هذا ليتم إلا إذا أظهرت مصر استعدادها لقبول توجيهات صندوق النقد الدولي، ولاتخاذ خطوة حاسمة في اتجاه عقد اتفاقية السلام مع إسرائيل، فكانت زيارة القدس 77 ومن ثم توقيع اتفاقية السلام 79.
وفي 81، وصلت ديون مصر إلى 30 بليون دولار، مقارنةً بخمسة بلايين دولار عند وفاة عبد الناصر، أي تضاعف نحو 6 مرات.
وفي عهد المخلوع، سارت السياسة الاقتصادية المصرية على درب السادات، ومما زاد الطين بلة، أن الدول العربية قد قاطعت مصر بسبب توقيعها اتفاقية السلام، كما أن كل المحيطين بالمخلوع كانوا موالين لأمريكا، فقد اُختيروا بمنتهى الحرص من قبل السادات، فما كان الحل إلا الارتماء في حضن العم سام، حنان من الأمام بطعنة من الخلف.
استمرت مصر بالاقتراض من الخارج حتى بلغ إجمالي الديون الخارجية (مدنية وعسكرية) 45 بليون دولار، أي بزيادة قدرها 50% خلال 5 سنوات، واستمرت الديون في زيادة إلى أن تفجرت أزمة الخليج بهجوم صدام حسين على الكويت، وقد كانت إجمالي الديون في ذلك الوقت 47,7 بليون دولار، أي أكثر من 150% من الناتج المحلي الإجمالي.
فاستغل المخلوع تلك الفرصة كي يزيح عن كتفي مصر تلك الديون، واشترك مع أمريكا في حرب الخليج، فأُعفيت مصر من العديد من الديون حتى وصلت في 1994 إلى 24 بليون دولار.
في العقد الأخير من عصر المخلوع، لم تكن الديون الخارجية أزمة كبيرة مثلما كانت في بداية عهده، ولكن كانت النتيجة أن أصبحت مصر عبداً ذليلاً، تفعل ما تُؤمر به، وتمتنع عما تنهي عنه، فصارت تمشي بقاعدة "لا تجادل ولا تناقش وافعل ما تُؤمر به".
أما الوجه الثالث من أوجه الاحتلال كان الاحتلال السياسي.
يقول جلال أمين "منذ ما يقرب من ثلث قرن، دأبت مصر على قول "نعم" للولايات المتحدة، مهما كان ما تطلبه الولايات المتحدة منها، ولم تشذ عن هذا طوال هذه الفترة سواء من سياستها الخارجية أو العربية أو في علاقتها بإسرائيل أو في سياستها الاقتصادية.
وكانت حصيلة هذه الفترة تدهوراً مستمراً في مركز مصر السياسي، الدولي والعربي، وتحقيق مصلحة بعد أخرى لإسرائيل على حساب مصالح مصر والعرب، وتدهوراً اقتصادياً ملحوظاً، فإذا كان الأمر كذلك في نظر طائفة كبيرة من المثقفين المصريين والمشتغلين بالسياسة والاقتصاد في مصر، بل في نظر ما يمكن أن يُسمى بالرأي العام المصري، فلماذا لا تقول مصر "لا" لأمريكا؟ ما الذي يمنع من هذا بالظبط؟"
الفشل الاقتصادي المصري هو سبب هذا الارتباط الوثيق بأمريكا، فهي إذن حجر عثرة في طريق التنيمة، التخلص منها يفيد الاقتصاد المصري، ولكن ما الذي يمنعنا من التخلص منها؟
المانع هو محض القوة، فنحن لا نقو ل"لا" لأمريكا، ليس لأننا سنتعرض لضرر، ولكن لأننا مجبرون على أن نقول "نعم".
ومازال الرضوخ مستمراً بعد الثورة، وما أزمتي هروب المتهمين في تمثيلية المنظمات المدنية والسكوت على قتلى الحدود وعلى أزمات غزة وسوريا وليبيا إلا خير حجة على ذلك.
حسناً، ذكرت العديد من المشاكل، ولكن ما الحل؟
الحل من شطرين، أما بالنسبة للشطر الخاص بالدولة فهو بمنتهى الاختصار في مقولة الشيخ الشعرواي رحمه الله "طالما أكلك مش من فأسك، رأيك عمره ما يكون من رأسك".
بالنسبة للجانب الفردي، أي أنا وأنت، فيقول الله عز وجل "لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" والتفاؤل لقوله صلى الله عليه وسلم "تفاءلوا بالخير تجدوه".
والثورة مستمرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق