الخميس، 23 فبراير 2012

أزمة كبار




كثير ما يشتكي من هم في سني مما يواجهونه مع الكبار، من أهالي ومدرسين إلى أخره، فحين ينتقدون صفة معينة في الكبير، يعبس الكبير ويأخذها على أنها إهانة له، فتجد الاتهامات تتنازل عليك كقلة الأدب والفهم وانعدام الاحترام للكبير، ويضيف في النهاية حديث المصطفى –صلى الله عليه وسلم- "ليس منا من لم يوقر كبيرنا", صدق الرسول الكريم –صلى الله عليه وسلم-، ولكن هل التوقير يعني التأليه؟
فأنا أفهم أن كوني أوقر شخصاً لا يعني أن أسكت على سوءاته, وعليك أيضاً أن تكمل باقي الحديث، فباقي الحديث يقول "ويعطف على صغيرنا"، فليس له الحق إذن أن يصرخ في وجهي حين أنصحه.
خذ مثلاً قضية التدخين كمثال، ما رد فعل أبيك إذا اكتشف أنك تدخن؟ من المؤكد أنه سيعاقبك بشدة، حسناً، ما رد فعل أبيك إذا رأيته يدخن ورأى على وجهك مظهر الضيق من تصرفه، لم تتحدث فقد أبديت تضايقك؟ مع أنني أعلم أن الحرام حرام على الخلق أجمعين، لا مقصوراً على صغير أوكبير.
وبكل أسف هذه الصفة متأصلة في الشعب المصري، فالكبير لا يُنتقد، لا يخطئ، أحاط بعلوم الأولين والأخرين، أما الصغير فهو جاهل جاهل لا يفهم ولا يفقه في الأمر شيئاً.
لا أنكر على الإطلاق أن الكبير له احترامه وتوقيره وله الكلمة على الصغير ولابد من اتباعها، ولا أنكر أن له خبرة تفوق خبرة الصغير أضعافاً مضاعفة، ولكن هذه ليست حجة لعدم قبوله النصيحة والنقد من الصغير في الأمور التي هو أدرى بها، وخصوصاً لو كان الصغير قد حدثه بأسلوب مناسب لمكانته وسنه.
هذه العقلية ما هي إلا عقلية الجهلة، أو بمعنى أصح المواطنين الشرفاء.
فكيف يجرؤ عيال لم يبلغوا الخامسة والعشرين من عمرهم أن يخرجوا متصدين لفساد شخص طاعن في السن؟، في عقليتهم، هذا لا يجوز!
حجتهم أن المخلوع رجل طاعن في السن، وقد قاد القوات الجوية في الحرب، فلا يصح أبداً انتقاده، عيب، فهو في سن والدك، أسف، أقصد جدك.
"بعد ما قعد 30 سنة يخدم البلد تخونوه يا أندال"، وكأنني من اخترت أن يحكمني لـ30 عاماً، وكأن الإنتخابات لم تكن تُزور، وكأن عصره كان مفعماً بالحرية والرخاء الاقتصادي والعزة والأمن!
عموماً هذا ليس موضوعنا، لكنه قريب مما ذكرت، المواطنون الشرفاء.
بصراحة، لقد مللت من ذكر مساوئ المجلس العسكري، ومن أراد أن يعرفها فليراجع مقالاتي السابقة، ولكنني سأذكر بعض الدلائل التي تدل على عقلية المصريين الشرفاء.
سميرة إبراهيم، ثائرة مصرية، قُبض عليها وقادوها إلى سجن، في السجن جردوا ملابسها لكي يكشفوا عن عذريتها!
فحين رفعت المظلومة قضية، راح المواطنون الشرفاء ينهشون في عرضها نهشاً! فكيف تجرؤ تلك الفتاة على أن ترفع قضية على جندي قد خلع ثيابها؟! أنسيتي أنه من جيش مصر العظيم ؟!
وهناك أيضاً حادثة فتاة التحرير، التي سُحلت في الشارع، وضُربت بالأحذية على وجهها، حتى وصل الأمر إلى تعريتها!، فإذا بأشراف مصر ينطلقون دفاعاً، عن الفتاة؟ أبداً!، بل عن من عرّاها!
"إيه اللي نزلها من بيتها؟" "قعدت تستفز العسكري" "ديه أصلاً قليلة الأدب [كلمة قليلة لما ذُكر حقيقةً]" "الصور ديه أصلاً فوتوشوب"!
خلاصة الموضوع، الكبير إنسان كالصغير تماماً، وما من معصوم إلا الأنبياء، فليس عيباً أبداً أن يخطئ الكبير ويصحح له الصغير في خطأه، إنما العيب أن يصر الكبير على خطأه ولا يرضى نصيحة الصغير.
أخشى يوماً أصير فيه كالكبير، لا أقبل فيه نصيحة من ولدي، ربي، رجاءً لا تبلغني أبداً هذا اليوم...

____________
13/2/2012



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق