"إننا لا نستغرب شيوع النفاق فى بعض المجتمعات غير الديمقراطية، لكننا نندهش لمدى التردى الذى وصل إليه مستوى ذلك النفاق. وإزاء يأسنا من إمكانية تغيير نظام مثل المفروض على كوريا الشمالية، فقد أصبحنا نتطلع لأن يمارس النفاق بصورة أفضل لا تحتقر عقول الناس إلى تلك الدرجة."-فهمي هويدي.
في الجهة المقابلة من كوكب الأرض، مات ديكتاتور كوريا الشمالية كيم غونغ إل في 17 ديسمبر 2011، بعد أن حكم البلاد منذ 1945م، وبعد وفاته، ووُرثت البلاد لابنه البالغ من العمر 28 عاماً لتكون كوريا قد حُكمت بجد وأب وابن.
وفي يوم 19 ديسمبر، أصدرت وكالة الأنباء المركزية الكورية خبراً يفيد بظهور مئات من الغربان في السماء من حيث لا ندري، وحلقت فوق تمثال الرئيس الجد كيم إل سونغ، في الساعة الخامسة و3 دقائق مساءً (لاحظ الدقة)، وظلت تصدر أصواتاً كما لو كانت تبلغه بالخبر الحزين.
ولأنه إعلام يعشق التأليه، فلم يلبث إلا وبدأ يمجد في الزعيم الكوري الجديد كيم جونج، قائلة بأنه قد أحاط بعلوم الأولين والأخرين في المجال الاستراتيجي، وأنه ينام القليل من الساعات سهراً في خدمة وطنه.
ومن كوريا ننتقل إلى مصر.
كنت أتقرف قبل الثورة (وبعد الثورة) من مجرد مساس القناة الأولى، نظراً لأنني ما فتحته إلا ووجدت خبراً عنه، فهو إما يفتتح جسراً، أو يخطب في إحدي بلدان الواك واك، أو يُعالج في ألمانيا، أو يخرج سالماً غانماً هانئاً من دورة المياه، أو يبعث برسائل تهنئة لرؤساء الدول بمناسبة الأعياد الإسلامية (والصهيونية).
ولعلنا نتذكر إحدي الجرائد الحكومية حين قال بأن اليوم الذي وُلد فيه مبارك هو اليوم الذي وُلدت فيه مصر، ونذكر بالتأكيد الـ99% التي لا يحصل عليها إلا مخلوعنا، وما أسامة سرايا ببعيد، ونكتفي بالأمثلة المذكورة تحسباً لأي تقيؤ.
فإعلام أي دولة ديكتاتورية ما لها دور إلا التسبيح بحمد الزعيم، والتكبير باسمه والتهليل بأخباره.
تتصف الشعوب التي قُهرت لزمن طويل بانتشار الجهل في أوساطها، مما أدى إلى انتشار صفة أخرى، تأليه الحاكم، فالحاكم، وإن كان فرعوناً، لا تُمس ذاته المقدسة بكلمة جرح، فليس كمثله شيء، لا يُحاسب على خطأ وإن كان سيودي بنا إلى التهلكة، يفعل ما يشاء وليس لنا إلا الانصياع لأوامر مولاه، فهو لا ينطق عن الهوى، وهلاكه هو هلاك الأوطان، وارجع معي بالذاكرة لأيام حين كان المخلوع مريضاً، كيف كانت تهول الصحف الحكومية من هذا الخبر.
ولكون الشعب المصري مقهوراً لفترة لا تقل عن قرن ونصف على الأقل من الزمان، فتلك الصفة تجري في دمه وتتوارثها الأجيال جيلاً بعد جيل، فحين تتحدث عن جلالة الرئيس تجده يقول "عيب، ده قد أبوك"، "أنت ازاي تتكلم عنه كده", "وقت لما كنت في بطن أمك كان هو بيحارب علشانك"، "صاحب الضربة الجوية"، وكأن تلك الإنجازات تشفع له فساده.
وهذا يعيد إلى ذهني خطبة الإمام أبي بكر –رضي الله عنه- حين قال: "أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم" وقال:" أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم".
هناك فرق شاسع بين السياسي والإنساني، مثل الفرق بين الرجل والمرأة، فالسياسي لا يستعمل إلا عقله، أما الإنساني فلا يستعمل إلا عاطفته، ماذا أقصد؟
سأضرب مثالاً، تخيل أن لديك معلومات مؤكده أنك وأنت تقود سيارتك ستظهر امرأة تدعي الفقر ستوقف سيارتك طلباً لأن تأخذها لمكان معين ولكنها في الحقيقة تريد سرقتك.
لو كنت تفكر بعقلك، ستتجاهلها، أما لو كنت تفكر بعاطفتك، فستعطف عليها لمظهرها الفقير، فستركبها معك، وتُسرق.
لذلك حين ترى المجرم يُحاسب على جرائمه، لا تأخذك الرأفة به، لا تنظر إلى حاله، بل انظر إلى جريمته.
ختاماً، الحاكم (أياً من كان)، غير معصوم، مؤهل للانتقاد، مهما كان سنه أو علمه، فطالما كلامه ليس وحياً يوحى، فكل كلامه قابل للنقد بل والدحض، وبالذات لو كان حاكماً إسلامياً، فكونه إسلامياً يجبره على أن يتقبل النقد مهما كانت قسوته.
______
1/2/2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق