السبت، 27 أكتوبر 2012

الوعد الحق






"إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسۡتَقَـٰمُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَلَـٰٓٮِٕڪَةُ أَلَّا تَخَافُواْ وَلَا تَحۡزَنُواْ وَأَبۡشِرُواْ بِٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِى كُنتُمۡ تُوعَدُونَ " [فصلت:30].
تلك الآية العظيمة التي نمر عليها مر الكرام، نظلمها بعدم تدبرها وإخراج العظات منه، منّ الله علي بأن أستخرج منها 3 خواطر، كل خاطرة هي أعظم من الأخرى.
1) ألم تستغرب يا أخي كلمة "ثم" التي تفصل بين "قالوا الله" و"استقاموا"؟ لماذا لم يقل الله عز وجل "فاستقاموا"؟، طبعاً غني عن التعريف أن حرف "ثم" هو حرف يفيد التعقيب مع التراخي، يفيد ذلك الحرف في تبيان معنى مهم للغاية.
إن المحرك الأساسي للعمل الصالح هو العقيدة الصحيحة والإيمان القوي، فمعرفة المرء لربه تنتج بأن يعرف العبد حقوق ربه عليه وحقوق أمته عليه وواجباته، وذلك الإيمان لا ينشأ في يوم وليلة، فالاستقامة الحقيقية لا تتحقق إلا بإيمان حقيقي، لذلك قال الله عز وجل "ثم استقاموا"، لأن العبد لن يستقيم إلا حين يحقق الخطوة الأولى في ذلك الطريق، معرفة الله وحقوقه وواجبات العبد تجاه دينه وأمته، ويتأتى ذلك عن طريق دراسة العقيدة، وتدبر القرآن دستور الأمة وسنة الحبيب ، فتكون النتيجة أن يكون ذلك العبد شجاعاً جسوراً لا يخاف في الحق لومة لائم، لأنه يعمل لله، ولا يهمه إلا رضا الله، ولو كلفه ذلك كل دنياه، فهو يؤمن بأنه قد باع نفسه في سبيل جنة خالدة، فهل يهم ذلك العبد دنيا فانية؟
2) هناك شرطان أساسيان لدخول الجنة الرحمن، الإيمان والاستقامة، فبدون الإيمان تُعتبر أعمال العبد كلها سراباً مهما بلغت من حجمها، ففي الصحيح، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قلت: (يا رسول الله، ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين، فهل ذلك نافعه؟)، قال: (لا ينفعه، إنه لم يقل يوماً: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين)، فمن لا يخلص العمل لله، فكأنه لم يعمل شيئاً.
وإيمان بلا استقامة لن ينفعك إلا بعد التطهر من الذنوب في جهنم حتى تستطيع دخول الجنة، فهو إيمان ناقص، فلو كان إيماناً حقيقياً يقينياً لاستنفر نفسه لخدمة دينه ومولاه عز وجل، فربما يكون هذا الشخص دارساً للعقيدة، لكن التطبيق العملي للعقيدة لم يتمثل في بدنه وأفعاله، ولم تدخل العقيدة قلبه، فلذلك لا تستعجبوا من شخص حافظ للقرآن كاملاً وللكثير من الأحاديث ودارس للعقيدة وهو يدخن ويسب ويعق والديه، فعلمه لم يتخطى العقل إلى القلب.
3)  "أبشروا بالجنة التي كنتم توعدون"، "توعدون"، من الذي يعد؟ إنه العظيم عز وجل، ويعد من؟ يعد كائناً لا يضره ولا ينفعه بل ويعتمد عليه بالكلية؟ ويعده بماذا؟ أيعده بعذاب بئيس إن لم ينفذ فرائضه وواجباته تجاه ربه؟ إنه يعده بـ"الجنة" !!
يا أخي أنت الآن في مواجهة آية عظيمة، وكل القرآن عظيم، إن الله عز وجل يحدثك بنفسه ويبعث إليك بملائكته رسلاً تنبؤك أن الله عز وجل من فوق سبع سماوات قد وعدك أنت بالجنة، الله الذي لا يحتاج إليك بل وأنت المحتاج إليه في كل طرفة عين يعدك أنت، بل وتخيل أنه يعد ويجزم في بداية الآية بأداة التوكيد "إن"، وهو الله الصدوق الذي لا يحتاج إلى أن يعد أو يجزم، بل والله لا يحتاج أصلاً إلينا!!
فأي ميثاق أغلظ من ذلك؟
وأي يقين أعظم من ذلك؟
وأي تكاسل آدمي أخزى من ذلك؟

الخميس، 8 مارس 2012

مصر المحتلة

   
بـــــسم الله الرحمن الرحيــــــــم

أجل، لا يوجد دبابات في الشوراع، أجل، لا نرى الجند الأجانب في البيوت، أجل، لا يوجد علم أجنبي بجانب علمنا المصري، لكننا محتلون، إي والله محتلون.
فالعرب بوجه عام، محتلون من كافة الأوجه، فكرياً وسياسياً واقتصادياً، من كافة الدول، شرقية وغربية.
فالاحتلال ليس بالجيوش فحسب، بل هناك طرق عديدة للاستعمار، منها الغزو الفكري، وقد عبر عن خطورته فيكتور هوجو حين قال "غزو الجيوش يمكن مقاومته، أما غزو الأفكار، فلا".
ومن أثار الغزو الفكري، أننا أصبحنا نتطبع بطباع الأجانب، ونأكل أكلهم، ونلبس ملابسهم، دافنين ثقافتنا في بئر النسيان، محتقرينها رامقيها بأعين الغضب والاحتقار.
لا يُفهم من كلامي أني ضد التعلم من الحضارات الأخرى، بل هذا أمر أساسي من أوامر الإسلام، فمن سلك طريقاً يبتغي فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة، ولكنني ضد أخذ الحضارة الأجنبية رزمة واحدة لا تُصفى بمصفاة الدين، ومن ثَم تطبيق هذا المنهج على شعب لا يقبل كثيراً من تلك الثقافات، وخصوصاً في المجالين الأخلاقي والديني.
ومن أمثلة الدمار الفكري الذي نعانيه مثال انتشار "المصاحبة" والتقليعات الغريبة في الثياب وتسريحات الشعر والاقتداء بمن لا يُقتدى به.
وقد يختلط الحابل بالنابل، ويخلط المرء بين الأزمة الفكرية والأزمة الأخلاقية، وشتان بين الاثنين.
فالأزمة الأخلاقية تكون مثلاً حين ترفض الفتاة الحجاب لأن كل صديقاتها لا يرتدين حجاباً أو رجل لا يصوم لأنه لا يريد الاحتمال أو شخص لا يحتكم لكتاب الله لأنه لا يريد ذلك، أما الأزمة الفكرية فتكون حين ترفض تلك الفتاة الحجاب لأنه عادة جاهلية وحين يرفض ذلك الرجل الصيام لأنه مضر للجسم وغير مفيد وحين يرفض ذلك الشخص الاحتكام لكتاب الله لأنه قديم.
وإلى جانب الاحتلال الفكري، هناك أيضاً الاحتلال الاقتصادي.
فحين ورث أنور السادات الحكم، كان لديه اقتصاد قوي، ولكنه ورث أيضاً أعباء اقتصادية ثقيلة نتيجة مخلفات الحرب، كما أن المناخ العالمي في ذلك الوقت كان معاد تمام للتجربة الناصرية، حتى أن من شروط معونات المؤسسات الدولية التي كانت تخضع لتوجيهات الأمريكيين كانت الصلح مع إسرائيل، والتخلي عن زعامة الدول العربية، وفتح الأبوات بلا ضابط أمام السلع والاستثمارات الأجنبية، كما كانوا يشترطون طرد السوفيت من مصر وانهيار النفوذ السوفيتي فيها.
والسادات لم يكن من النوع الذي يتحدى ويتصدى، فقبل هذه الشروط وقرر أن يساير الواقع الدولي الجديد.
أضف إلى ذلك القروض الخارجية التي أخذتها مصر في فترة لم تكن في حاجة إليها، فقد كانت البنوك الغربية في ذلك الوقت تبحث عن أماكن لاستثمار فوائض إيرادات البترول لديها، فراحت تغري دول العالم الثالث باقتراضها وبفوائد مرتفعة، تكاد تصل إلى 15% في بعض الأحيان، حتى لو كانت غير محتاجة.
وكانت معظم تلك القروض قروضاً عسكرية، وبأسعار مرتفعة، رغم إعلان السادات أن حرب 73 هي أخر الحروب.
فالمعونات الأمريكية العسكرية لمصر لم تقترن بأي تحسن في أوضاع مصر، بل تدهور حالها، فلم تتحرك مصر لنصرة العراق عندما ضُرب مفاعلها النووي عام 81، أو لنصرة لبنان عندما هاجمها الكيان الصهيوني، وليس خفياً على أحد موقفها المخزي من غزة وتهويد القدس.
وظل السادات ووزراؤه يجولون ويطيرون من دولة إلى أخرى من دول الخليج، طالبين منهم المساعدات ولكن بلا جدوى، فالدول العربية لم تكن قد تلقت بعد إيماءة الموافقة من الولايات المتحدة وهيئات المعونة الدولية بزيادة حجم معوناتها لمصر، ولم هذا ليتم إلا إذا أظهرت مصر استعدادها لقبول توجيهات صندوق النقد الدولي، ولاتخاذ خطوة حاسمة في اتجاه عقد اتفاقية السلام مع إسرائيل، فكانت زيارة القدس 77 ومن ثم توقيع اتفاقية السلام 79.
وفي 81، وصلت ديون مصر إلى 30 بليون دولار، مقارنةً بخمسة بلايين دولار عند وفاة عبد الناصر، أي تضاعف نحو 6 مرات.
وفي عهد المخلوع، سارت السياسة الاقتصادية المصرية على درب السادات، ومما زاد الطين بلة، أن الدول العربية قد قاطعت مصر بسبب توقيعها اتفاقية السلام، كما أن كل المحيطين بالمخلوع كانوا موالين لأمريكا، فقد اُختيروا بمنتهى الحرص من قبل السادات، فما كان الحل إلا الارتماء في حضن العم سام، حنان من الأمام بطعنة من الخلف.
استمرت مصر بالاقتراض من الخارج حتى بلغ إجمالي الديون الخارجية (مدنية وعسكرية) 45 بليون دولار، أي بزيادة قدرها 50% خلال 5 سنوات، واستمرت الديون في زيادة إلى أن تفجرت أزمة الخليج بهجوم صدام حسين على الكويت، وقد كانت إجمالي الديون في ذلك الوقت 47,7 بليون دولار، أي أكثر من 150% من الناتج المحلي الإجمالي.
فاستغل المخلوع تلك الفرصة كي يزيح عن كتفي مصر تلك الديون، واشترك مع أمريكا في حرب الخليج، فأُعفيت مصر من العديد من الديون حتى وصلت في 1994 إلى 24 بليون دولار.
في العقد الأخير من عصر المخلوع، لم تكن الديون الخارجية أزمة كبيرة مثلما كانت في بداية عهده، ولكن كانت النتيجة أن أصبحت مصر عبداً ذليلاً، تفعل ما تُؤمر به، وتمتنع عما تنهي عنه، فصارت تمشي بقاعدة "لا تجادل ولا تناقش وافعل ما تُؤمر به".
أما الوجه الثالث من أوجه الاحتلال كان الاحتلال السياسي.
يقول جلال أمين "منذ ما يقرب من ثلث قرن، دأبت مصر على قول "نعم" للولايات المتحدة، مهما كان ما تطلبه الولايات المتحدة منها، ولم تشذ عن هذا طوال هذه الفترة سواء من سياستها الخارجية أو العربية أو في علاقتها بإسرائيل أو في سياستها الاقتصادية.
وكانت حصيلة هذه الفترة تدهوراً مستمراً في مركز مصر السياسي، الدولي والعربي، وتحقيق مصلحة بعد أخرى لإسرائيل على حساب مصالح مصر والعرب، وتدهوراً اقتصادياً ملحوظاً، فإذا كان الأمر كذلك في نظر طائفة كبيرة من المثقفين المصريين والمشتغلين بالسياسة والاقتصاد في مصر، بل في نظر ما يمكن أن يُسمى بالرأي العام المصري، فلماذا لا تقول مصر "لا" لأمريكا؟ ما الذي يمنع من هذا بالظبط؟"
الفشل الاقتصادي المصري هو سبب هذا الارتباط الوثيق بأمريكا، فهي إذن حجر عثرة في طريق التنيمة، التخلص منها يفيد الاقتصاد المصري، ولكن ما الذي يمنعنا من التخلص منها؟
المانع هو محض القوة، فنحن لا نقو ل"لا" لأمريكا، ليس لأننا سنتعرض لضرر، ولكن لأننا مجبرون على أن نقول "نعم".
ومازال الرضوخ مستمراً بعد الثورة، وما أزمتي هروب المتهمين في تمثيلية المنظمات المدنية والسكوت على قتلى الحدود وعلى أزمات غزة وسوريا وليبيا إلا خير حجة على ذلك.
حسناً، ذكرت العديد من المشاكل، ولكن ما الحل؟
الحل من شطرين، أما بالنسبة للشطر الخاص بالدولة فهو بمنتهى الاختصار في مقولة الشيخ الشعرواي رحمه الله "طالما أكلك مش من فأسك، رأيك عمره ما يكون من رأسك".
بالنسبة للجانب الفردي، أي أنا وأنت، فيقول الله عز وجل "لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" والتفاؤل لقوله صلى الله عليه وسلم "تفاءلوا بالخير تجدوه".
والثورة مستمرة.

الجمعة، 2 مارس 2012

بين يدي ربي

كان النبي صلى الله عليه وسلم جالساً في المسجد، فدخل رجل فصلى ركعتين، تحية المسجد، ثم جاء وسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: وعليك السلام، ارجع فصل، فإنك لم تصل، فرجع الرجل، فصلى مثل صلاته الأولى، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: وعليك السلام، ارجع فصل، فإنك لم تصل، ثم رجع الرجل، فصلى مثل صلاته الأولى  نقرها نقر الغراب، ما يتم الركوع، ولا السجود، ينقرها نقر الغراب  حتى فعل هذا ثلاث مرات، في كل مرة، يقول النبي وعليك السلام: ارجع فصل، فإنك لم تصل، فقال الرجل في المرة الثالثة: والذي بعثك بالحق نبيا، لا أحسن غير هذا، فعلمني فعلمه، قال: إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تعتدل جالسا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تنزل جالسا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها  أرشده إلى الطمأنينة.
كم منا الرجل السابق؟، أخي، إن الصلاة قد أتت من كلمة "صلة"، أي الصلة مع الله، وهي ارتباط وثيق مع الله عز وجل، وعهد قائم إلى يوم القيامة، لا يصح إن تُصلى بالطريقة المألوفة في يومنا هذا، هذه ليست صلاة، اعتبرها تمارين رياضية، ولكنها ليست صلاة، وليس لها وزن في ميزان حسناتك.
أخي، أنا أعلم أن حياتك المليئة بالأعمال تجعل الصلاة صعبة، ولكن صدقني، الصلاة تجعل من الحياة الصعبة أيسر وأيسر.
أخي، أني أدعوك أن تغير من صلاتك، حان الوقت كي تصلي حق الصلاة لله عز وجل.
أفلا نقتدي بعادل؟ تسألني من هو عادل؟، إليك قصته.
"الله أكبر الله أكبر"، الأذان، أول صوت يطرب أذني عادل بعد نوم عميق، فيعلم أنه قد حانت لحظة اللقاء الملكي، وأن الله أكبر من كل شيء، ويستبدل دفء سريره بدفء قلبه.
فيقوم عادل مسرعاً لكي يستعد للقاء، فهو يعلم يقيناً أن هذا ليس بقاء عادي، بل هو لقاء مع ملك الملوك عز وجل، وخصوصاً أنه ما من شيء يفعله إلا وهي نعمة من الله عليه، أفلا يلبي حق الله ويفعل ما يُؤمر به؟، ويطهر عادل نفسه من الشرك والذنب والدنس بالوضوء، فهو كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم يخرج خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره، وبعد الوضوء يقول "أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله"، لأنه يأمل أن تُفتح له أبواب الجنة الثماني يوم القيامة، ثم يرتدي عادل قميصه الجميل ويستاك حتى يصير نظيف الفم، ويضع على جسده مسكاً فواحاً.
وحين يخرج من البيت، لا يستعمل المصعد، فهو يفضل النزول على السلالم، فبكثرة خطاه إلى المسجد، يغفر الله له خطاياه ويرفعه لدرجات أعلى، ويقول وهو ينزل على كل سلمة "سبحان الله".
ويمشي إلى بيت الله بمنتهى السكينة والوقار، مستحضراً عظمة الدعوة والداعي، مطهراً نفسه من الداخل، بتجديد النوايا وتطهير القلب، ثم يدخل المسجد  برجله اليمنى وهو يقول "بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم افتح لي أبواب رحمتك"، ويدخل المسجد ويشغل نفسه بذكر الله حتى تُقام الصلاة، يتصرف كأنه غريب، لا يعرف أحداً في المسجد، فهو لم يأت للدردشة، بل جاء للعبادة، وفقط للعبادة.
"الله أكبر الله أكبر"، وأعلن المؤذن قيام الصلاة، فيرتد عادل واقفاً، يخفق قلبه بقوة، أجل، لقد حان الموعد، موعد اللقاء مع إلهه الودود، الحبيب لقلبه، الله عز وجل.
يتوجه عادل إلى القبلة، علامة توحيد المسلمين، فالقبلة ليست صنماً يُعبد، بل نحن نؤمن أنه لا ينفع ولا يضر، بل هي رمز لتوحد المسلمين، فكل متجه إلى القبلة يشكل بجسده جزءاً من دائرة كبيرة تليها دوائر أصغر فأصغر إلى أن تصل إلى الكعبة، فهذا الدين دين عالمي، يشعرك بأنك لست وحدك، وتستشعر بالمصلي الذي يصلي معك في سوريا وفلسطين واليابان وأمريكا وفرنسا، فكلنا واحد، وصلاتنا واحدة، وقبلتنا واحدة.
ويستشعر عادل، بأن تلك الصلاة، هي أخر صلاة سيصليها في حياته، فقد تكون فعلاً هي الأخيرة، ويستشعر مراقبة الله عز وجل له، وأنه يصلي لله لأنه يحبه، ويشكره على نعمه العظيمة والجليلة.
"الله أكبر"، يرفع عادل يده مكبراً، تعبيراً عن إلقائه لكل هموم الدنيا وراء ظهره، فالله أكبر من كل شيء، فهو يعلم أن تلك الدنيا مصيرها سيصبح مجرد جرز، أي تراب، لا زرع فيها ولا مباني ولا شيء.
"اللهم أسلمت نفسي إليك، وفوضت أمري إليك، ووجهت وجهي إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك"، بهذا يستفتح عادل صلاته، ثم يخرس لسانه، للاستماع بمنتهى الحرص والتدبر إلى وحي الإله.
قبل أن ندخل في سورة الفاتحة، اسأل نفسك أخي الكريم، لماذا سورة الفاتحة بالذات هي التي تُقرأ في بداية كل ركعة؟
الفاتحة هي مقدمة القرآن، فكل كتاب له مقدمة تلخص أهدافه ورؤاه المرجوة من هذا الكتاب، فالفاتحة إذن تُعد مختصر هذا القرآن العظيم.
"بسم الله الرحمن الرحيم"، من هنا بداية الفاتحة، فبهذه الآية، يتعلم عادل أن كل شيء في حياته يبدأه بالتسمية باسمه، فكل شيء يهون عليه حين يبدأها بالتسمية.
"الحمد لله رب العالمين"، ويستمع إلى الرد الإلهي، فالله عز وجل يرد عليه ويقول "حمدني عادل".
آه، يالها من آية مريحة لكل بال، حتى يدخل المصل في صلاته بلا هم أو حزن، أجل، الحمد له يا الله، لك الحمد على كل نعمة، ما أعرفه وما لا أعرفه، ولك الحمد على كل ما حدث لي في حياتي، سيء كان أو جميل كان، لك الحمد على الصحة والسقم، على الغنى وعلى الفقر، على النجاح وعلى الفشل، لك الحمد ربي على حياتي التي رسمتها لي.
"الرحمن الرحيم"، ويرد الحق هنا ويقول "أثني عليّ عادل".
يتدبر عادل في تلك الآية، لماذا الرحمن الرحيم بالذات؟، لماذا ليس الجبار المنتقم مثلاً؟.
فيُوحى إلى عادل بتفسير جميل، فالإنسان قد خُلعت منه صفة العصمة، فلا معصوم من البشر إلا زمرة الأنبياء والمرسلين، فالإنسان من طبيعته أنه يذنب الذنب تلو الذنب، وبعد أن يقول عادل تلك الآية، يعلم أن له رباً غفوراً رحيماً، كما أن تعني أن الله من رحمته يستحيل أن يؤذي الإنسان المؤمن أبداً، فلو حدث له شيء ظاهره سيء، تيقن أنه بعد حين ستنظر إلى هذا الموقف وتقول "هذا أفضل ما حدث لي في حياتي".
"مالك يوم الدين"، وهنا يرد مالك الملك "مجدني عادل".
بعد ذكر رحمة الله عز وجل، قد يفهم المصل أن هذا معناه التواكل على رحمته، ولكن لا، لقد جاءت تلك الآية في ذلك الموضع لتبين لك أخي الحبيب أن هناك يوماً ستعود فيه إلى الله، وستُحاسب على كل صغيرة وكبيرة، فلا تتواكل على رحمته، بل اسعى في عمل الخير والابتعاد عن كل شر، فيوفقك الله يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم.
"إياك نعبد وإياك نستعين"، وهنا يرد المولى عز وجل "هذا بيني وبين عادل".
بعد أن علم عادل أن الله هو الرحمن الرحيم، وأنه راجع إليه يوم الدين، ففي هذه الآية يُشهد عادل ربه أنه قد نوى عبادته هو وحده فقط لا غيره، وأن يجعل أعماله كلها خالصة لوجهه الكريم، لا سمعةً ولا رياءً يا رب العالمين، وقرر أن يستعين به وحده سبحانه، فالاستعانة بغيره شرك، والاستعانه به هو حق التوحيد.
"اهدنا الصراط المستقيم*صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين"، هنا يرد المستجيب لدعوة الداعين "هذا لعادل ولعادل ما سأل".
أجل، تعددت الطرق ولكن طريق الحق واحد أحد، أنه صراط الله الأوحد، صراط الكتاب والسنة، كما بيّنه الرسول صلى الله عليه وسلم حين رسم خطاً على الأرض يخرج من هذا الخطوط خطين أخرين يميناً ويساراً، ويقول لهم أن الخط المستقيم هو سبيل الله عز وجل، وأن الخطوط الأخرى هي سبل الشيطان.
والصراط المستقيم يتضمن 6 أمور: معرفة الحق، قصده وإرادته، العمل به، الثبات عليه، الدعوة إليه والصبر على أذى من دعوته إليه، فباستكمال هذا المراتب الستة يكون العبد قد هُدي إلى الصراط المستقيم.
وتأتي الآية السابعة لتوضح أكثر معالم هذا الصراط، فهو الصراط الذي سلكه الذين أنعم الله عليهم بالهداية، تذكر هؤلاء الصالحين وأنت تطوف في بحر الآية، أمثال الخلفاء الراشدين، الصحابة، أحمد بن حنبل، وعبد الله بن المبارك، وعمر بن عبد العزيز، وحسن البنا، وأحمد يس، والشعراوي والغزالي، وغيرهم وغيرهم من الكثير من المُنعم عليهم.
أما "المغضوب عليهم"، فهم من عرفوا طريق الهداية، ولكنهم أبوا إلا الضلالة، مثل قوم ثمود الذين قال عنهم عز وجل "وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى".
أما "الضالين"، فهم الحائدون عن الهداية، الحائرون الذين لا يهتدون إليها سبيلاً.
ثم يشرع عادل في التأمين، تفاؤلاً بإجابته وحصوله، ثم يخرس لسانه مجدداً ليركز ويتدبر في عظات القرآن الكريم.
"الله أكبر"، ويرفع عادل يديه تعظيماً لأمر الله، ويخر راكعاً، خاضعاً ذليلاً للعزيز سبحانه.
والركوع هو خضوع بظاهر الجسد، وكانت العرب لشرفها ومكانتها تأنف منه، ولا تفعله، حتى رُوي أن حكيم بن حزام – رضي الله عنه -، قد بايع النبي صلى الله عليه وسلم على ألا يخر إلا واقفاً، أي لا يركع لله.
"سبحان ربي العظيم"، أجل، نزهه من كل نقص، واستشعر عظمة ما تقول، وقلها بمنتهى التروي والتدبر.
"سمع الله لمن حمده"، أي أن الله قد سمع الدعاء، وقد استجاب لك، فيكون رد فعل عادل من فرط السعادة أن يقول "ربنا لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه"، وحين يقول ذلك، يبتدر بضعة وثلاثين ملكاً على من يكتبها أولاً في ميزان حسناته!
"الله أكبر"، لقد حانت أهم لحظة في الصلاة، أنه السجود.
ائت لي يا صديق بأي وضعية في العالم أكثر ذلاً وعبودية من السجود، لا يوجد!
هنا يسجد عادل لله عز وجل، يذل نفسه لله ليعزه الله في الدنيا، فهو إن أعزّ نفسه على الله، فسيذله الله على كل الدنيا!
يسجد له عادل سجود ذل ومغفرة، مسبحاً ربه الأعلى، طالباً منه المغفرة والرحمة، مستشعراً مدى قربه عز وجل من قلبه، مسشعراً بسماعه إياه ومراقبته له، يعيش في قوله عز وجل "واسجد واقترب".
يتوسل إليه بحاجته، يشتكي إليه من مشاكله، فأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فيكثر من الدعاء.
ثم يقوم عادل من السجود، ويقول بمنتهى التلهف والعبودية، "اللهم اغفر لي وارحمني وعافني واهدني وارزقني"، ياله من دعاء جامع لكل ما ينفع الإنسان، ويقول أيضاً "رب اغفر لي" 3 مرات، فهو يشعر ثقل الذنوب على كتفيه، والذنب بالنسبة إليه كالوقوف على جبل شاهق يخشى من الوقوع عليه، أما بالنسبة لضعيف الإيمان، فالذنب بالنسبة إليه كذبابة تمر أمامه، ويطلب من الله أن يزحزح عنه تلك الذنوب والآثام.
ثم يخر عادل سجوداً مرة أخرى، مكرراً ما فعله في السجدة الأولى، ويطلب منه ما فاته في السجدة الأولى.
وفي نهاية الصلاة، في جلسة التشهد، يجلس عادل ليقول كلمات قال عنها  ابن مسعود رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعلمها له كما يعلمه السورة من القرآن!
فالتشهد هي كتحية الملوك، فمن عادة الملوك أن يحييهم الناس بتحيات تُكتب بماء من ذهب وتُرصع نقاطها بأحجار الفيروز.
والتحيات جمع تحية، وأصلها من الحياة، والمطلوب لمن تحيا بها دوام الحياة، فحيي الله تحياته، فهو أولى بالتحيات من أي ملك أو زعيم.
"الصلوات والطيبات"، فالصلوات له عبودية، والطيبات هي الوصف والكلام والفعل، فصلواتك كلها لله، وأعمالك الصالحة كلها خالصة لله سبحانه، ولله الطيبات من كل وصف وكلمة وفعل، فهو جميل يحب الجمال، عظيم ودود كريم.
ثم يسلم عادل على النبي صلى الله عليه وسلم كأنه موجود أمامه، فيحييه ويثني عليه.
ثم يسلم على نفسه والمصلين بجانبه وعلى كل عبد من عباد الله الصالحين، كما لو كانوا موجودين بجانبه في المسجد، فالدعاء لكل هؤلاء هو حق على عادل.
ومن ثم تشهد شهادة الحق التي بُني عليها الإسلام، وتجدد العهد مع الله سبحانه، أنك تابع مخلص لهذا الدين ولرسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم.
ويرفع عادل السبابة وهو يتشهد، مستشعراً بأنه يختم الصلاة وهو يخنق الشيطان بسبابه التوحيد، فقد قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم "لهي أشد على الشيطان من الحديد"، يعني السبابة.
ثم تصلي على النبي وعلى آله –عليهم جميعاً أفضل الصلاة والسلام-، وتتذكر فضلهم فرداً فرداً عليك وعلى حالك الآن، فلولاهم لكنت في الضلال تسعى، وفي الظلمات تتخبط، وتتذكر آل إبراهيم، مما يشعرك بعالمية هذا الدين، وبوحدانية رسالة كل الأنبياء والمرسلين، فهم جميعاً كما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم "مثلي ومثل الأنبياء، كمثل رجل ابتنى بنياناً، فأجملها وأحسنها، وبقي في زواية من زواياها موضع لبنة، فجعل الناس يطوفون ببنيانه، ويتعجبون منه، ويقولون: هلا وضع هاهنا لبنة فأكمل بناءه! فأنا ذلك، وخاتم النبيين، فلا نبي بعدي".
"إنك حميد مجيد"، أي أنك محمود تستحق الحمد على كل نعمك، وأنك أنت المجيد، كامل الصفات والشرف والسمو، لا ينقصك شيء، سبحانك عما يقولون علواً كبيراً.
ثم يتعوذ عادل من 4 قائلاً "اللهم إني أعوذ بك من فتنة المحيا والممات، اللهم إني أعوذ بك من فتنة المسيخ الدجال، اللهم إني أعوذ بك من عذاب في النار وعذاب في القبر".
ويختم عادل صلاته بطلب المغفرة، حيث يقول "اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت".
ويدعو الله بما يشاء.
"السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله"، ينهي عادل الصلاة بالتسليم على الملائكة والحاضرين، ويستشعر شكر الله سبحانه على توفيقه لإتمام الصلاة، حزيناً على فراق ربه، وعودته إلى كوكب الأرض، منتظراً الصلاة القادمة، منتظراً نداء الأذان، حي على الصلاة، حي على الفلاح.

الجمعة، 24 فبراير 2012

هموم أمتي



عجيب، عجيب أمر أمة قال عنها رسولها –صلى الله عليه وسلم-: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمي"، فتجد رد فعل تلك الأمة تجاه القدس المهودة والسوري المذبوح والصومالي الفقير والأفغانستاني المحتل والباكستاني المضطهد بجملة "وأنا مالي؟!".
عجيب، عجيب أمة أمر شُهد لها من فوق سبع سماوات بأنها خير أمة في قوله تعالة "كنتم خير أمة أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر"، فتجدهم لا يأمرون بمعروف، ولا ينهون عن منكر سواء بأيديهم أو بألسنتهم أو حتى قلوبهم، فكانت النتيجة هي الذل والخنوع.
عجيب، عجيب أمر أمة أقامت أعظم حضارة في العالم ونورته بأنوار العلم والعدل والحق والمحبة، حضارة شهد بعظمتها الغربيون قبل المسلمين مثل المؤرخ الأمريكي بريفولت حين قال:"ليس ثمة مظهر واحد من مظاهر الحضارة الاوروبية الا ويعود فيه الفضل للمسلمين بصورة قاطعة" ومثل الطبيب البريطاني روبرت بريفولت حين قال "إن اﻟﻘﻮة اﻟﺘﻲ ﻏﯿﺮت وﺿﻊ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻤﺎدي ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ ﻧﺘﺎج اﻟﺼﻠﺔ اﻟﻮﺛﯿﻘﺔ ﺑﯿﻦ اﻟﻔﻠﻜﯿﯿﻦ واﻟﻜﯿﻤﯿﺎﺋﯿﯿﻦ واﻟﻤﺪارس اﻟﻄﺒﯿﺔ وﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬﻩ اﻟﺼﻠﺔ أﺛﺮًا ﻣﻦ آﺛﺎر اﻟﺒﻼد اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ واﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ، إن ﻣﻌﻈﻢ اﻟﻨﺸﺎط اﻷورﺑﻲ ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻟﻌﻠﻮم اﻟﻄﺒﯿﻌﯿﺔ إﻟﻰ اﻟﻘﺮن اﻟﺨﺎﻣﺲ ﻋﺸﺮ اﻟﻤﯿﻼدي ﻛﺎن ﻣﺴﺘﻔﺎدًا ﻣﻦ ﻋﻠﻮم اﻟﻌﺮب وﻣﻌﺎرﻓﻬﻢ، وإﻧﻲ ﻗﺪ ﻓﺼَّﻠﺖ اﻟﻜﻼم ﻓﻲ اﻟﺪور اﻟﺬي ﻟﻌﺒﺘﻪ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﯿﻘﻈﺔ اﻷورﺑﯿﺔ؛ ﻷن اﻟﻜﺬب واﻻﻓﺘﺮاء ﻛﺎﻧﺎ ﻗﺪ ﻛﺜﺮا ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺤﺎﺿﺮ، وﻛﺎن اﻟﺘﻔﺼﯿﻞ ﻻ ﺑُﺪَّ ﻣﻨﻪ ﻟﻠﻘﻀﺎء ﻋﻠﯿﻬﻤﺎتجدها تشحذ على أعتاب الدول، طالبة المعونة والرضا، مستسلمين لجور الحكام وإهانتهم، حتى وجدنا سلة قمح العالم، تضطر لإستيراد قمح روسي مسرطن.
عجيب، عجيب أمة أمة قال رسولها "لا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى"، فتجد أمتي قد تفرقت لعرقيات ودول وحدود مصطنعة، بل وانقسمت إلى فرق كروية وفنية، مشتعلة بينهم الشحناء والبغضاء، وما موقفنا تجاه القضايا الإسلامية إلا بخير دليل.
عجيب، عجيب حجم أراضينا المحتلة، فلسطين وباكستان وأفغانستان، وحتى دول الإسلام الأخرى، فما لم تكن محتلة حسياً، فهي محتلة فكرياً، كغالبية الدول العربية.
آه يا فلسطين، سبعون عاماً يا أقصى، كم افتقد المؤمنون ريحانك.
"يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها"، قالها الرسول صادقاً، فاستعجب الصحابة الكرام، حتى سأله سائل "ومن قلة نحن يومئد؟"، فرد الرسول قائلاً "لا"!، لا؟، بالطبع لا!، كيف يكون وهننا وضعفنا من قلة ونحن مليار ونصف مسلم!، "بل أنتم يومئد كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل ، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن " ، وما الوهن يا رسول الله ؟، "حب الدنيا وكراهية الموت".
أجل، صدق، فالمحب للدنيا الكاره للموت، تجده معمراً لدنياه مهملاً لأخراه، يسعى ويسعى للذات الدنيا، وإن كانت حراماً، ويهمل ويهمل في قصور الأخرة، والنتيجة الطبيعية لكراهية الموت كراهية الجهاد، وأيضاً كراهية الصدع بكلمة الحق في وجه السلطان الجائر، خوفاً من الأذى والبطش.
عجيب، عجيب أمة أمة تسعى لحل مشاكلها بمناهج غربية وشرقية، تاركين كتاباً عظيماً، موجود في كل مكان، في سياراتهم ومكاتبهم وحوائطهم وبيوتهم، بل ومستهونين به ومستسخفين به، يدعون عليه الباطل وأنه قديم هالك، إنه نبض الحياة، منهج الأمة، كتاب الله وسنته، شريعته الغراء، لا يأتيها الباطل لا من وراءها ولا من خلفها.
عجيب، عجيب أمر أمة تضطهد صالحيها وتدع العنان لطالحيها، محاربين لمظاهر التدين بوصمها عاري التخلف والإرهاب، وتدع طالحيها يسبون في دينه عز وجل، غير مبالين بما يُقال حتى في حق الجلالة!، بينما يكون مصير مصلي الفجر ومطلق شعيرات اللحية اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، القفص، مثواه الأخير.
عجيب، غريب، مؤسف، محزن، لا أجد في حصيلتي اللغوية كلمات تصف حال أمتي، ولو أتيت بابن منظور ليصف حال أمتي ما  قدر، فالوضع مؤسف لا جدال، واللسان يعجز عن الكلام.
ولكن هناك أمل، وهناك حل، ولقد مرت الأمة الإسلامية على مر التاريخ بالعديد من المحن، لم تمت أمة الإسلام يوماً، لكنها مريضة، ولكنها لا تموت، وستعود، ستعود قوية كالأسود وستحكم العالم من جديد.
وكيف السبيل إلى ذلك؟
قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- :"تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا، كتاب الله وسنتي".

الخميس، 23 فبراير 2012

خواطر حول الراية المصرية


تُعتبر مصر من أولى دول العالم التي اتخذت لنفسها راية، وعلى مر التاريخ ظل العلم يتطور حتى وصل إلى شكله الحالي عام 1984م بألوانه الحمراء والبيضاء والسوداء يرصعه في المنتصف نسر حامل للدرع المصري.
جلست أفكر، لماذا هذا الشكل بالذات للراية المصرية؟ فكل راية في العالم لابد أن تكون معبرة عن ثقافة وتاريخ دولتها، حتى إذا رُؤي العلم، عُرفت دولته.
ولبثت أفكر حتى أُوحي إلى بتفسير لأسباب اختيار هذا الشكل بالذات، تفسير جعلني موقناً بتوفيق الاختيار وتعبيره بحق عن مصرنا العريقة، فاللون الأحمر هو تعبير عن دماء شهدائنا الأبرار، التي سالت دماؤهم على مدار القرون في الحروب والثورات، نيلاً لمرتبة الصادع بالحق في وجه سلطان جائر.
أما الأسود فهو لون القوة والعزة والصلابة، معبراً عن معدن الصمود والإصرار عند المصريين، وقد يكون أيضاً تعبيراً عن انحطاط المكانة.
قد تتسائلون، أين اللون الأبيض؟ لماذا لم تقله بعد الأحمر؟ أقول، أنني قد فعلت هذا قاصداً للكشف عن سر توسط اللون الأبيض بين اللونين الأحمر والأسود.
فعلى مر التاريخ المصري، عانت مصر من استبداد الطغاة والظالمين، فما تحررت منهم إلا بعد سيول دمائهم الطاهرة، إذن فالسر واضح، فقد وُضع اللون الأبيض في المنتصف تعبيراً عن أن الحرية لا تؤتى إلا بالدماء والقوة أو لا تؤتى من الظالمين إلا بسيوف من دم.
فالحرية ما تُنال من الطغاة إلا بالدم، فهو يحمل معنىً نبيلاً، فهل نرضى بسلام دون عزة؟ وهل نرضى بحرية منقوصة؟ فها هو النسر ليقول لا، لا أسمح إلا بحرية كاملة، لا حرية صورية، أو سلام مدنس بالخيانة والذل.
فياله من علم بديع، معبر ن تاريخ مسطور بالدماء ي ورق من حرير مرصع بالفيروز، في غلاف فاخر تفوح منه رائحة المسك.
فعلينا أن نكون أهلاً لحمله، لا في المباريات، بل في الصدور والقلوب والعقول، وعلينا ألا ننكسه مرة أخرى، حتى يكون علماً يراه الأجنبي فينحني له احتراماً ويقول "تلك مصر، تلك مصر".

_________
16/2/2012

رسالة ورؤية


عجيب أمر الإنسان، يسير في الدنيا بلا هدف منير أو طريق واضح، تجده يسير كمئات الملايين من البشر، همه الوحيد أن يحيا حياة البهائم، يأكل ويشرب وينام، لا رسالة ولا هدفاً إليهما يسعى.
أتعلم يا صديق أن 3% من سكان المعمورة هم من يحققون التغيير في مجرى التاريخ؟ من هذه النسبة يظهر الزعماء والأنبياء والعلماء والدعاة، هؤلاء هم من المصلحون والمحسنون من حياة البشر، هؤلاء من يحققون الرخاء لبني الإنسان وينيرون أوساط المجتمعات بنوري العدل والحق.
ولكن ما سبب هذا الفرق الشاسع بين فئة الـ 3% وفئة الـ 97% من البشر؟
الفرق بين الفئتين أن فئة الـ 3% يحملون درعاً وسيفاً، رسالةً ورؤية قد وضعوا الخطط لتحقيقهما.
فهؤلاء يسيرون في درب واضح المعالم، وبفضلهما، كل المصاعب والعقبات والشدائد تهون أمامهم، فيحققون النصر على كل عسر.
أما الدرع فهو الرسالة، والرسالة هي شيء يعيش به الإنسان طوال عمره، لا يسعى إليها لفترة معينة من الزمان كالرؤية، بل طول الحياة، والرسالة هي النتيجة النهائية المرجوة من العمل، وقد تكون في جوانب عدة، رسالة في الجانب الرياضي ورسالة في الجانب الاجتماعي وأخرى في الجانب الروحاني وأخرى في العلمي وهكذا، ولابد أن تكون محتوية على 3 عناصر، الله ونفسك والأخرين، فلو نسيت الله فأعمالك سراب لا مكان لها في ميزان حسناتك، أما لو نسيت نفسك فسوف تهمل نفسك، أما لو نسيت الأخرين فستكون أنانياً، لا تفكر إلا في مصلحتك الخاصة، وكمثال للرسالة، فقد تكون إرضاء الله بإسعاد نفسي والأخرين.
أما السيف، فهو الرؤية أو الهدف، وهو فعل يتم تحقيقه في فترة معينة من الزمن، وهي تنبثق عن الرسالة، فلو كانت رسالتك هي المذكورة سلفاً، فهدفك قد يكون إنشاء جمعية خيرية مثلاً أو أن تصبح كاتباً ساخراً.
ولأن الله –عز وجل- قد قال عن رسوله –صلى الله عليه وسلم- "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ "، فلنأخذه -صلى الله عليه وسلم- كقدوة.
فانظر إليه وهو يعلن بمنتهى الوضوح عن رسالته في الحياة إذ به يقول –صلى الله عليه وسلم- "إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، أما رؤيته فقد كانت واضحة وضوح الشمس، حيث يقول عن رؤيته "ليبلغن هذا الدين ما بلغ الليل والنهار" وأيضاً "لتفتحن روميا ومدينة هرقل أولاً"، صلى الله عليه وسلم.
نصيحتي لك يا صديق أن تكون دوماً حاملاً للدرع والسيف، للرسالة الرؤية، حتى تسير نحو مستقبلك المشرق بخطى ثابتة ويقين كامل لا يتخلله شك.
_________
15/2/2012


آراب فرانكو


هاللو، هاو آر يو؟ إن ذيث سبجكت وير توكينج أبوت ذا فرانكو آراب لينجوتش.
ما انطباعك بعد قراءة هذه الكلمات؟ من المؤكد أنك تشعر الأن بالاستغراب والتعجب وتجهل معنى ما قرأت، هذه لغة جديدة ابتكرتها تُسمى "آراب فرانكو"، يُستعمل فيها الحروف العربية للتحدث باللغة الإنجليزية، أما معنى ما قرأت باللغة الإنجليزية فهو: Hello, how are you? In this subject we’re talking about the Franco Arab language.
لا أكاد أشك أن لن ترضى التحدث بالإنجليزية بهذه الطريقة، حسناً، لدي سؤال، إذا كنت لا ترضى هذا للغة الأجنبية فلماذا ترضاه للغة العربية؟ لماذا لا ترفع اللغة العربية على الأقل لمصاف تلك اللغة الأجنبية؟!
الفرانكو آراب، هي لغة شبابية شهيرة للغاية، تعتمد على الحروف اللاتينينة للتحدث باللغة العربية، فكر معي للحظة، استخدام حروف أجنبية للتحدث بلغتي الأصلية، غريب، أليس كذلك؟
فمن المعروف أن كل لغة لها حروفها التي تميزها عن غيرها، وإن كانت في حالة اللغات الأوربية، فكل لغة أوربية رغم أنها تستعمل نفس الحروف إلا بعض حروف كل لغة لها شكل يختلف عن شكل حروف اللغات الأخرى مما يعطيها التميز.
موقفي الخاص من الفرانكو آراب هي المعاداة التامة، فأنا أعتبرها حركة تغريبية خطيرة للغاية، فأنها تفصل مستخدمها عن لغته الأصليه لغته العربية الأصيلة، مما يؤدي إلى بعده عن القرآن والسنة، مما يؤدي إلى ازدياد تعلقه باللغة الأجنبية وثقافة الدولة الأجنبية.
كما أن الفرانكو آراب تُعتبر إهانة كبيرة جداً للغة القرآن، فلا يصح أبداً أن نرضى بالدونية في لغتنا، ولابد من الاعتزاز بلغتنا العربية الأصيلة، فهي ليست كأي لغة، إنما هي لغة الإسلام وأهل الجنة.
كما أن أهمية اللغة يعود لأنها تشكل حيز ثقافي كبير جداً، فهي من تعيننا على فهم تاريخنا وحضارتنا، كما أن ضعف اللغة يؤدي إلى ضعف التواصل مع أهل اللغة، كما يؤدي أيضاً إلى البعد عن الإسلام، لأن لغة الإسلام هي العربية.
قد تقول لي إن الكتابة بالحروف العربية صعبة لأنني لم أتعود عليها، حسناً، هل حين بدأت بالكتابة على لوحة المفاتيح هل كنت تتقن الكتابة بالحروف الإنجليزية؟ بالطبع لا، فمثل هذه الأشياء لا تأتي إلا بالممارسة والتدرب.
ستقول لي إن كل أصدقائك يستعملونها، دعنا نفترض لو أصدقاؤك كلهم قفزوا من فوق جبل، هل ستقفز معهم؟ هذه ليست حجة أبداً لعدم فعل الصحيح، فالحق لم يكن يوماً حقاً لكثرة عدد متبعيه، بل الحق حق لأنه حق، فقط.
أخي، أنا أدعوك من كل قلبي أن تكف عن استعمال تلك الحروف للتحدث بلغتك، فهذا والله وصمة عار على جبينك، وأتحداك لو رأيت أي أجنبي في العالم يستعمل حروف أجنبية للتحدث بلغته.
كما أدعوك إلى التقليل من استخدام الكلمات الأجنبية في حديثك، فبدلاً من كلمة "زيرو" قل صفر، وهكذا.
ملخص المقالة، عليك بالاعتزاز بلغتك ولا ترضها عنها بديلاً.

________
14/2/2012