الخميس، 8 مارس 2012

مصر المحتلة

   
بـــــسم الله الرحمن الرحيــــــــم

أجل، لا يوجد دبابات في الشوراع، أجل، لا نرى الجند الأجانب في البيوت، أجل، لا يوجد علم أجنبي بجانب علمنا المصري، لكننا محتلون، إي والله محتلون.
فالعرب بوجه عام، محتلون من كافة الأوجه، فكرياً وسياسياً واقتصادياً، من كافة الدول، شرقية وغربية.
فالاحتلال ليس بالجيوش فحسب، بل هناك طرق عديدة للاستعمار، منها الغزو الفكري، وقد عبر عن خطورته فيكتور هوجو حين قال "غزو الجيوش يمكن مقاومته، أما غزو الأفكار، فلا".
ومن أثار الغزو الفكري، أننا أصبحنا نتطبع بطباع الأجانب، ونأكل أكلهم، ونلبس ملابسهم، دافنين ثقافتنا في بئر النسيان، محتقرينها رامقيها بأعين الغضب والاحتقار.
لا يُفهم من كلامي أني ضد التعلم من الحضارات الأخرى، بل هذا أمر أساسي من أوامر الإسلام، فمن سلك طريقاً يبتغي فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة، ولكنني ضد أخذ الحضارة الأجنبية رزمة واحدة لا تُصفى بمصفاة الدين، ومن ثَم تطبيق هذا المنهج على شعب لا يقبل كثيراً من تلك الثقافات، وخصوصاً في المجالين الأخلاقي والديني.
ومن أمثلة الدمار الفكري الذي نعانيه مثال انتشار "المصاحبة" والتقليعات الغريبة في الثياب وتسريحات الشعر والاقتداء بمن لا يُقتدى به.
وقد يختلط الحابل بالنابل، ويخلط المرء بين الأزمة الفكرية والأزمة الأخلاقية، وشتان بين الاثنين.
فالأزمة الأخلاقية تكون مثلاً حين ترفض الفتاة الحجاب لأن كل صديقاتها لا يرتدين حجاباً أو رجل لا يصوم لأنه لا يريد الاحتمال أو شخص لا يحتكم لكتاب الله لأنه لا يريد ذلك، أما الأزمة الفكرية فتكون حين ترفض تلك الفتاة الحجاب لأنه عادة جاهلية وحين يرفض ذلك الرجل الصيام لأنه مضر للجسم وغير مفيد وحين يرفض ذلك الشخص الاحتكام لكتاب الله لأنه قديم.
وإلى جانب الاحتلال الفكري، هناك أيضاً الاحتلال الاقتصادي.
فحين ورث أنور السادات الحكم، كان لديه اقتصاد قوي، ولكنه ورث أيضاً أعباء اقتصادية ثقيلة نتيجة مخلفات الحرب، كما أن المناخ العالمي في ذلك الوقت كان معاد تمام للتجربة الناصرية، حتى أن من شروط معونات المؤسسات الدولية التي كانت تخضع لتوجيهات الأمريكيين كانت الصلح مع إسرائيل، والتخلي عن زعامة الدول العربية، وفتح الأبوات بلا ضابط أمام السلع والاستثمارات الأجنبية، كما كانوا يشترطون طرد السوفيت من مصر وانهيار النفوذ السوفيتي فيها.
والسادات لم يكن من النوع الذي يتحدى ويتصدى، فقبل هذه الشروط وقرر أن يساير الواقع الدولي الجديد.
أضف إلى ذلك القروض الخارجية التي أخذتها مصر في فترة لم تكن في حاجة إليها، فقد كانت البنوك الغربية في ذلك الوقت تبحث عن أماكن لاستثمار فوائض إيرادات البترول لديها، فراحت تغري دول العالم الثالث باقتراضها وبفوائد مرتفعة، تكاد تصل إلى 15% في بعض الأحيان، حتى لو كانت غير محتاجة.
وكانت معظم تلك القروض قروضاً عسكرية، وبأسعار مرتفعة، رغم إعلان السادات أن حرب 73 هي أخر الحروب.
فالمعونات الأمريكية العسكرية لمصر لم تقترن بأي تحسن في أوضاع مصر، بل تدهور حالها، فلم تتحرك مصر لنصرة العراق عندما ضُرب مفاعلها النووي عام 81، أو لنصرة لبنان عندما هاجمها الكيان الصهيوني، وليس خفياً على أحد موقفها المخزي من غزة وتهويد القدس.
وظل السادات ووزراؤه يجولون ويطيرون من دولة إلى أخرى من دول الخليج، طالبين منهم المساعدات ولكن بلا جدوى، فالدول العربية لم تكن قد تلقت بعد إيماءة الموافقة من الولايات المتحدة وهيئات المعونة الدولية بزيادة حجم معوناتها لمصر، ولم هذا ليتم إلا إذا أظهرت مصر استعدادها لقبول توجيهات صندوق النقد الدولي، ولاتخاذ خطوة حاسمة في اتجاه عقد اتفاقية السلام مع إسرائيل، فكانت زيارة القدس 77 ومن ثم توقيع اتفاقية السلام 79.
وفي 81، وصلت ديون مصر إلى 30 بليون دولار، مقارنةً بخمسة بلايين دولار عند وفاة عبد الناصر، أي تضاعف نحو 6 مرات.
وفي عهد المخلوع، سارت السياسة الاقتصادية المصرية على درب السادات، ومما زاد الطين بلة، أن الدول العربية قد قاطعت مصر بسبب توقيعها اتفاقية السلام، كما أن كل المحيطين بالمخلوع كانوا موالين لأمريكا، فقد اُختيروا بمنتهى الحرص من قبل السادات، فما كان الحل إلا الارتماء في حضن العم سام، حنان من الأمام بطعنة من الخلف.
استمرت مصر بالاقتراض من الخارج حتى بلغ إجمالي الديون الخارجية (مدنية وعسكرية) 45 بليون دولار، أي بزيادة قدرها 50% خلال 5 سنوات، واستمرت الديون في زيادة إلى أن تفجرت أزمة الخليج بهجوم صدام حسين على الكويت، وقد كانت إجمالي الديون في ذلك الوقت 47,7 بليون دولار، أي أكثر من 150% من الناتج المحلي الإجمالي.
فاستغل المخلوع تلك الفرصة كي يزيح عن كتفي مصر تلك الديون، واشترك مع أمريكا في حرب الخليج، فأُعفيت مصر من العديد من الديون حتى وصلت في 1994 إلى 24 بليون دولار.
في العقد الأخير من عصر المخلوع، لم تكن الديون الخارجية أزمة كبيرة مثلما كانت في بداية عهده، ولكن كانت النتيجة أن أصبحت مصر عبداً ذليلاً، تفعل ما تُؤمر به، وتمتنع عما تنهي عنه، فصارت تمشي بقاعدة "لا تجادل ولا تناقش وافعل ما تُؤمر به".
أما الوجه الثالث من أوجه الاحتلال كان الاحتلال السياسي.
يقول جلال أمين "منذ ما يقرب من ثلث قرن، دأبت مصر على قول "نعم" للولايات المتحدة، مهما كان ما تطلبه الولايات المتحدة منها، ولم تشذ عن هذا طوال هذه الفترة سواء من سياستها الخارجية أو العربية أو في علاقتها بإسرائيل أو في سياستها الاقتصادية.
وكانت حصيلة هذه الفترة تدهوراً مستمراً في مركز مصر السياسي، الدولي والعربي، وتحقيق مصلحة بعد أخرى لإسرائيل على حساب مصالح مصر والعرب، وتدهوراً اقتصادياً ملحوظاً، فإذا كان الأمر كذلك في نظر طائفة كبيرة من المثقفين المصريين والمشتغلين بالسياسة والاقتصاد في مصر، بل في نظر ما يمكن أن يُسمى بالرأي العام المصري، فلماذا لا تقول مصر "لا" لأمريكا؟ ما الذي يمنع من هذا بالظبط؟"
الفشل الاقتصادي المصري هو سبب هذا الارتباط الوثيق بأمريكا، فهي إذن حجر عثرة في طريق التنيمة، التخلص منها يفيد الاقتصاد المصري، ولكن ما الذي يمنعنا من التخلص منها؟
المانع هو محض القوة، فنحن لا نقو ل"لا" لأمريكا، ليس لأننا سنتعرض لضرر، ولكن لأننا مجبرون على أن نقول "نعم".
ومازال الرضوخ مستمراً بعد الثورة، وما أزمتي هروب المتهمين في تمثيلية المنظمات المدنية والسكوت على قتلى الحدود وعلى أزمات غزة وسوريا وليبيا إلا خير حجة على ذلك.
حسناً، ذكرت العديد من المشاكل، ولكن ما الحل؟
الحل من شطرين، أما بالنسبة للشطر الخاص بالدولة فهو بمنتهى الاختصار في مقولة الشيخ الشعرواي رحمه الله "طالما أكلك مش من فأسك، رأيك عمره ما يكون من رأسك".
بالنسبة للجانب الفردي، أي أنا وأنت، فيقول الله عز وجل "لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" والتفاؤل لقوله صلى الله عليه وسلم "تفاءلوا بالخير تجدوه".
والثورة مستمرة.

الجمعة، 2 مارس 2012

بين يدي ربي

كان النبي صلى الله عليه وسلم جالساً في المسجد، فدخل رجل فصلى ركعتين، تحية المسجد، ثم جاء وسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: وعليك السلام، ارجع فصل، فإنك لم تصل، فرجع الرجل، فصلى مثل صلاته الأولى، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: وعليك السلام، ارجع فصل، فإنك لم تصل، ثم رجع الرجل، فصلى مثل صلاته الأولى  نقرها نقر الغراب، ما يتم الركوع، ولا السجود، ينقرها نقر الغراب  حتى فعل هذا ثلاث مرات، في كل مرة، يقول النبي وعليك السلام: ارجع فصل، فإنك لم تصل، فقال الرجل في المرة الثالثة: والذي بعثك بالحق نبيا، لا أحسن غير هذا، فعلمني فعلمه، قال: إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تعتدل جالسا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تنزل جالسا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها  أرشده إلى الطمأنينة.
كم منا الرجل السابق؟، أخي، إن الصلاة قد أتت من كلمة "صلة"، أي الصلة مع الله، وهي ارتباط وثيق مع الله عز وجل، وعهد قائم إلى يوم القيامة، لا يصح إن تُصلى بالطريقة المألوفة في يومنا هذا، هذه ليست صلاة، اعتبرها تمارين رياضية، ولكنها ليست صلاة، وليس لها وزن في ميزان حسناتك.
أخي، أنا أعلم أن حياتك المليئة بالأعمال تجعل الصلاة صعبة، ولكن صدقني، الصلاة تجعل من الحياة الصعبة أيسر وأيسر.
أخي، أني أدعوك أن تغير من صلاتك، حان الوقت كي تصلي حق الصلاة لله عز وجل.
أفلا نقتدي بعادل؟ تسألني من هو عادل؟، إليك قصته.
"الله أكبر الله أكبر"، الأذان، أول صوت يطرب أذني عادل بعد نوم عميق، فيعلم أنه قد حانت لحظة اللقاء الملكي، وأن الله أكبر من كل شيء، ويستبدل دفء سريره بدفء قلبه.
فيقوم عادل مسرعاً لكي يستعد للقاء، فهو يعلم يقيناً أن هذا ليس بقاء عادي، بل هو لقاء مع ملك الملوك عز وجل، وخصوصاً أنه ما من شيء يفعله إلا وهي نعمة من الله عليه، أفلا يلبي حق الله ويفعل ما يُؤمر به؟، ويطهر عادل نفسه من الشرك والذنب والدنس بالوضوء، فهو كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم يخرج خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره، وبعد الوضوء يقول "أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله"، لأنه يأمل أن تُفتح له أبواب الجنة الثماني يوم القيامة، ثم يرتدي عادل قميصه الجميل ويستاك حتى يصير نظيف الفم، ويضع على جسده مسكاً فواحاً.
وحين يخرج من البيت، لا يستعمل المصعد، فهو يفضل النزول على السلالم، فبكثرة خطاه إلى المسجد، يغفر الله له خطاياه ويرفعه لدرجات أعلى، ويقول وهو ينزل على كل سلمة "سبحان الله".
ويمشي إلى بيت الله بمنتهى السكينة والوقار، مستحضراً عظمة الدعوة والداعي، مطهراً نفسه من الداخل، بتجديد النوايا وتطهير القلب، ثم يدخل المسجد  برجله اليمنى وهو يقول "بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم افتح لي أبواب رحمتك"، ويدخل المسجد ويشغل نفسه بذكر الله حتى تُقام الصلاة، يتصرف كأنه غريب، لا يعرف أحداً في المسجد، فهو لم يأت للدردشة، بل جاء للعبادة، وفقط للعبادة.
"الله أكبر الله أكبر"، وأعلن المؤذن قيام الصلاة، فيرتد عادل واقفاً، يخفق قلبه بقوة، أجل، لقد حان الموعد، موعد اللقاء مع إلهه الودود، الحبيب لقلبه، الله عز وجل.
يتوجه عادل إلى القبلة، علامة توحيد المسلمين، فالقبلة ليست صنماً يُعبد، بل نحن نؤمن أنه لا ينفع ولا يضر، بل هي رمز لتوحد المسلمين، فكل متجه إلى القبلة يشكل بجسده جزءاً من دائرة كبيرة تليها دوائر أصغر فأصغر إلى أن تصل إلى الكعبة، فهذا الدين دين عالمي، يشعرك بأنك لست وحدك، وتستشعر بالمصلي الذي يصلي معك في سوريا وفلسطين واليابان وأمريكا وفرنسا، فكلنا واحد، وصلاتنا واحدة، وقبلتنا واحدة.
ويستشعر عادل، بأن تلك الصلاة، هي أخر صلاة سيصليها في حياته، فقد تكون فعلاً هي الأخيرة، ويستشعر مراقبة الله عز وجل له، وأنه يصلي لله لأنه يحبه، ويشكره على نعمه العظيمة والجليلة.
"الله أكبر"، يرفع عادل يده مكبراً، تعبيراً عن إلقائه لكل هموم الدنيا وراء ظهره، فالله أكبر من كل شيء، فهو يعلم أن تلك الدنيا مصيرها سيصبح مجرد جرز، أي تراب، لا زرع فيها ولا مباني ولا شيء.
"اللهم أسلمت نفسي إليك، وفوضت أمري إليك، ووجهت وجهي إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك"، بهذا يستفتح عادل صلاته، ثم يخرس لسانه، للاستماع بمنتهى الحرص والتدبر إلى وحي الإله.
قبل أن ندخل في سورة الفاتحة، اسأل نفسك أخي الكريم، لماذا سورة الفاتحة بالذات هي التي تُقرأ في بداية كل ركعة؟
الفاتحة هي مقدمة القرآن، فكل كتاب له مقدمة تلخص أهدافه ورؤاه المرجوة من هذا الكتاب، فالفاتحة إذن تُعد مختصر هذا القرآن العظيم.
"بسم الله الرحمن الرحيم"، من هنا بداية الفاتحة، فبهذه الآية، يتعلم عادل أن كل شيء في حياته يبدأه بالتسمية باسمه، فكل شيء يهون عليه حين يبدأها بالتسمية.
"الحمد لله رب العالمين"، ويستمع إلى الرد الإلهي، فالله عز وجل يرد عليه ويقول "حمدني عادل".
آه، يالها من آية مريحة لكل بال، حتى يدخل المصل في صلاته بلا هم أو حزن، أجل، الحمد له يا الله، لك الحمد على كل نعمة، ما أعرفه وما لا أعرفه، ولك الحمد على كل ما حدث لي في حياتي، سيء كان أو جميل كان، لك الحمد على الصحة والسقم، على الغنى وعلى الفقر، على النجاح وعلى الفشل، لك الحمد ربي على حياتي التي رسمتها لي.
"الرحمن الرحيم"، ويرد الحق هنا ويقول "أثني عليّ عادل".
يتدبر عادل في تلك الآية، لماذا الرحمن الرحيم بالذات؟، لماذا ليس الجبار المنتقم مثلاً؟.
فيُوحى إلى عادل بتفسير جميل، فالإنسان قد خُلعت منه صفة العصمة، فلا معصوم من البشر إلا زمرة الأنبياء والمرسلين، فالإنسان من طبيعته أنه يذنب الذنب تلو الذنب، وبعد أن يقول عادل تلك الآية، يعلم أن له رباً غفوراً رحيماً، كما أن تعني أن الله من رحمته يستحيل أن يؤذي الإنسان المؤمن أبداً، فلو حدث له شيء ظاهره سيء، تيقن أنه بعد حين ستنظر إلى هذا الموقف وتقول "هذا أفضل ما حدث لي في حياتي".
"مالك يوم الدين"، وهنا يرد مالك الملك "مجدني عادل".
بعد ذكر رحمة الله عز وجل، قد يفهم المصل أن هذا معناه التواكل على رحمته، ولكن لا، لقد جاءت تلك الآية في ذلك الموضع لتبين لك أخي الحبيب أن هناك يوماً ستعود فيه إلى الله، وستُحاسب على كل صغيرة وكبيرة، فلا تتواكل على رحمته، بل اسعى في عمل الخير والابتعاد عن كل شر، فيوفقك الله يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم.
"إياك نعبد وإياك نستعين"، وهنا يرد المولى عز وجل "هذا بيني وبين عادل".
بعد أن علم عادل أن الله هو الرحمن الرحيم، وأنه راجع إليه يوم الدين، ففي هذه الآية يُشهد عادل ربه أنه قد نوى عبادته هو وحده فقط لا غيره، وأن يجعل أعماله كلها خالصة لوجهه الكريم، لا سمعةً ولا رياءً يا رب العالمين، وقرر أن يستعين به وحده سبحانه، فالاستعانة بغيره شرك، والاستعانه به هو حق التوحيد.
"اهدنا الصراط المستقيم*صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين"، هنا يرد المستجيب لدعوة الداعين "هذا لعادل ولعادل ما سأل".
أجل، تعددت الطرق ولكن طريق الحق واحد أحد، أنه صراط الله الأوحد، صراط الكتاب والسنة، كما بيّنه الرسول صلى الله عليه وسلم حين رسم خطاً على الأرض يخرج من هذا الخطوط خطين أخرين يميناً ويساراً، ويقول لهم أن الخط المستقيم هو سبيل الله عز وجل، وأن الخطوط الأخرى هي سبل الشيطان.
والصراط المستقيم يتضمن 6 أمور: معرفة الحق، قصده وإرادته، العمل به، الثبات عليه، الدعوة إليه والصبر على أذى من دعوته إليه، فباستكمال هذا المراتب الستة يكون العبد قد هُدي إلى الصراط المستقيم.
وتأتي الآية السابعة لتوضح أكثر معالم هذا الصراط، فهو الصراط الذي سلكه الذين أنعم الله عليهم بالهداية، تذكر هؤلاء الصالحين وأنت تطوف في بحر الآية، أمثال الخلفاء الراشدين، الصحابة، أحمد بن حنبل، وعبد الله بن المبارك، وعمر بن عبد العزيز، وحسن البنا، وأحمد يس، والشعراوي والغزالي، وغيرهم وغيرهم من الكثير من المُنعم عليهم.
أما "المغضوب عليهم"، فهم من عرفوا طريق الهداية، ولكنهم أبوا إلا الضلالة، مثل قوم ثمود الذين قال عنهم عز وجل "وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى".
أما "الضالين"، فهم الحائدون عن الهداية، الحائرون الذين لا يهتدون إليها سبيلاً.
ثم يشرع عادل في التأمين، تفاؤلاً بإجابته وحصوله، ثم يخرس لسانه مجدداً ليركز ويتدبر في عظات القرآن الكريم.
"الله أكبر"، ويرفع عادل يديه تعظيماً لأمر الله، ويخر راكعاً، خاضعاً ذليلاً للعزيز سبحانه.
والركوع هو خضوع بظاهر الجسد، وكانت العرب لشرفها ومكانتها تأنف منه، ولا تفعله، حتى رُوي أن حكيم بن حزام – رضي الله عنه -، قد بايع النبي صلى الله عليه وسلم على ألا يخر إلا واقفاً، أي لا يركع لله.
"سبحان ربي العظيم"، أجل، نزهه من كل نقص، واستشعر عظمة ما تقول، وقلها بمنتهى التروي والتدبر.
"سمع الله لمن حمده"، أي أن الله قد سمع الدعاء، وقد استجاب لك، فيكون رد فعل عادل من فرط السعادة أن يقول "ربنا لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه"، وحين يقول ذلك، يبتدر بضعة وثلاثين ملكاً على من يكتبها أولاً في ميزان حسناته!
"الله أكبر"، لقد حانت أهم لحظة في الصلاة، أنه السجود.
ائت لي يا صديق بأي وضعية في العالم أكثر ذلاً وعبودية من السجود، لا يوجد!
هنا يسجد عادل لله عز وجل، يذل نفسه لله ليعزه الله في الدنيا، فهو إن أعزّ نفسه على الله، فسيذله الله على كل الدنيا!
يسجد له عادل سجود ذل ومغفرة، مسبحاً ربه الأعلى، طالباً منه المغفرة والرحمة، مستشعراً مدى قربه عز وجل من قلبه، مسشعراً بسماعه إياه ومراقبته له، يعيش في قوله عز وجل "واسجد واقترب".
يتوسل إليه بحاجته، يشتكي إليه من مشاكله، فأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فيكثر من الدعاء.
ثم يقوم عادل من السجود، ويقول بمنتهى التلهف والعبودية، "اللهم اغفر لي وارحمني وعافني واهدني وارزقني"، ياله من دعاء جامع لكل ما ينفع الإنسان، ويقول أيضاً "رب اغفر لي" 3 مرات، فهو يشعر ثقل الذنوب على كتفيه، والذنب بالنسبة إليه كالوقوف على جبل شاهق يخشى من الوقوع عليه، أما بالنسبة لضعيف الإيمان، فالذنب بالنسبة إليه كذبابة تمر أمامه، ويطلب من الله أن يزحزح عنه تلك الذنوب والآثام.
ثم يخر عادل سجوداً مرة أخرى، مكرراً ما فعله في السجدة الأولى، ويطلب منه ما فاته في السجدة الأولى.
وفي نهاية الصلاة، في جلسة التشهد، يجلس عادل ليقول كلمات قال عنها  ابن مسعود رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعلمها له كما يعلمه السورة من القرآن!
فالتشهد هي كتحية الملوك، فمن عادة الملوك أن يحييهم الناس بتحيات تُكتب بماء من ذهب وتُرصع نقاطها بأحجار الفيروز.
والتحيات جمع تحية، وأصلها من الحياة، والمطلوب لمن تحيا بها دوام الحياة، فحيي الله تحياته، فهو أولى بالتحيات من أي ملك أو زعيم.
"الصلوات والطيبات"، فالصلوات له عبودية، والطيبات هي الوصف والكلام والفعل، فصلواتك كلها لله، وأعمالك الصالحة كلها خالصة لله سبحانه، ولله الطيبات من كل وصف وكلمة وفعل، فهو جميل يحب الجمال، عظيم ودود كريم.
ثم يسلم عادل على النبي صلى الله عليه وسلم كأنه موجود أمامه، فيحييه ويثني عليه.
ثم يسلم على نفسه والمصلين بجانبه وعلى كل عبد من عباد الله الصالحين، كما لو كانوا موجودين بجانبه في المسجد، فالدعاء لكل هؤلاء هو حق على عادل.
ومن ثم تشهد شهادة الحق التي بُني عليها الإسلام، وتجدد العهد مع الله سبحانه، أنك تابع مخلص لهذا الدين ولرسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم.
ويرفع عادل السبابة وهو يتشهد، مستشعراً بأنه يختم الصلاة وهو يخنق الشيطان بسبابه التوحيد، فقد قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم "لهي أشد على الشيطان من الحديد"، يعني السبابة.
ثم تصلي على النبي وعلى آله –عليهم جميعاً أفضل الصلاة والسلام-، وتتذكر فضلهم فرداً فرداً عليك وعلى حالك الآن، فلولاهم لكنت في الضلال تسعى، وفي الظلمات تتخبط، وتتذكر آل إبراهيم، مما يشعرك بعالمية هذا الدين، وبوحدانية رسالة كل الأنبياء والمرسلين، فهم جميعاً كما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم "مثلي ومثل الأنبياء، كمثل رجل ابتنى بنياناً، فأجملها وأحسنها، وبقي في زواية من زواياها موضع لبنة، فجعل الناس يطوفون ببنيانه، ويتعجبون منه، ويقولون: هلا وضع هاهنا لبنة فأكمل بناءه! فأنا ذلك، وخاتم النبيين، فلا نبي بعدي".
"إنك حميد مجيد"، أي أنك محمود تستحق الحمد على كل نعمك، وأنك أنت المجيد، كامل الصفات والشرف والسمو، لا ينقصك شيء، سبحانك عما يقولون علواً كبيراً.
ثم يتعوذ عادل من 4 قائلاً "اللهم إني أعوذ بك من فتنة المحيا والممات، اللهم إني أعوذ بك من فتنة المسيخ الدجال، اللهم إني أعوذ بك من عذاب في النار وعذاب في القبر".
ويختم عادل صلاته بطلب المغفرة، حيث يقول "اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت".
ويدعو الله بما يشاء.
"السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله"، ينهي عادل الصلاة بالتسليم على الملائكة والحاضرين، ويستشعر شكر الله سبحانه على توفيقه لإتمام الصلاة، حزيناً على فراق ربه، وعودته إلى كوكب الأرض، منتظراً الصلاة القادمة، منتظراً نداء الأذان، حي على الصلاة، حي على الفلاح.